أجرة الحرز. ومنعه الفاروقي وابن أبي عصرون، لأنه صار واجبا عليه فأشبه سائر الواجبات، والمعتمد الأول كما هو ظاهر كلام الأصحاب. وقد تؤخذ الأجرة على الواجب كما في سقي اللبأ. وأركان الوديعة بمعنى الايداع أربعة: وديعة بمعنى العين المودعة، ومودع ووديع، وصيغة، وقد تقدم الكلام على شرط الركن الأول وهو الوديعة. ثم شرع في شرط الركن الثاني والثالث وهما العاقدان، فقال: (وشرطهما شرط موكل ووكيل) لأنها استنابة في الحفظ، فمن صحت وكالته صح إيداعه، ومن صح توكيله صح دفع الوديعة إليه، فخرج استيداع محرم صيدا أو كافر مصفحا ونحوه. ثم شرع في بيان الركن الرابع وهو الصيغة، فقال: (ويشترط صيغة المودع) الناطق باللفظ، وهي إما صريح (كاستودعتك هذا) أو أودعتك أو هو وديعة عندك (أو استحفظتك أو أنبتك في حفظه) أو احفظه. وإما كناية تنعقد بها مع النية كخذه، أو مع القرينة كخذه. أما الأخرس فتكفي إشارته المفهمة. ولو علقها كأن قال: إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك هذا لم يصح كالوكالة كما بحثه في أصل الروضة، وجرى عليه ابن المقري، وقطع الروياني بالصحة. وعلى الأول يصح الحفظ بعد وجود الشرط كما يصح التصرف في الوكالة حينئذ، ففائدة البطلان سقوط المسمى إن كان، والرجوع إلى أجرة المثل.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف وغيره أنه لو دخل شخص الحمام ولم يستحفظ الحمامي لم يجب عليه الحفظ، وهو كذلك، فلو ضاعت لم يضمنها وإن نام أو قام من مكانه ولا نائب له، فإن استحفظه وقيل منه لزمه حفظها. وعن القاضي حسين: أنه يجب عليه حفظها مطلقا للعادة. (والأصح أنه لا يشترط) في الوديع (القبول) للوديعة (لفظا ويكفي القبض) لها، كما في الوكالة بل أولى عقارا كانت أو منقولا، فإذا قبضها تمت الوديعة. وظاهر كلام المصنف أنه لا بد في المنقول من النقل، ولكن الذي قاله البغوي: أنه لو قال: هذا وديعتي عندك أو احفظه، فقال: قبلت أو ضعه موضعه كان إيداعا كما لو قبضه بيده، وصححه الرافعي في الشرح الصغير، ونقل الأذرعي عن فتاوى القفال ما يوافقه، وهذا هو الظاهر، وإن قال المتولي: لا، حتى يقبضه. والثاني: يشترط القبول لفظا. والثالث: يفرق بين صيغة الامر كما في الوكالة، وعلى عدم اشتراط القبول يشترط عدم الرد كما قاله البغوي. قال الماوردي وغيره: ولا تفتقر الوديعة إلى علم الوديع بما فيها، بخلاف اللقطة لما يلزمه من تعريفها. فإن لم يوجب المالك له بل وضع ماله بين يديه سواء أقال له قبل ذلك أريد أن أودعك أم لا أو أوجب له ووضعه بين يديه ورد لم يصح، فإن ذهب وتركها لم يضمن وإن أثم به بأن كان ذهابه بعد غيبة المالك، وإن قبضها صار ضامنا إلا إن كانت معرضة للضياع فقبضها حسبة صونا لها عن الضياع فلا يضمن. وذهاب الوديع مع ترك الوديعة والمالك حاضر كردها.
تنبيه: قضية كلام الشيخين أنه لا بد من لفظ ائتمان من المودع الناطق. قال الأذرعي: ولم يبعد أن يقال الشرط وجود اللفظ من أحد الجانبين والفعل من الآخر للعلم بحصول المقصود بذلك، فلو قال الوديع: أودعنيه مثلا، فدفعه له ساكتا كفى كالعارية، وعليه فالشرط اللفظ من أحدهما، وهو حسن، ولو قال له: خذ هذا يوما وديعة ويوما غير وديعة فوديعة أبدا، أو: خذه يوما وديعة ويوما عارية فوديعة في اليوم الأول وعارية في اليوم الثاني، ولم يعد بعد يوم العارية وديعة ولا عارية بل تصير يده يد ضمان. قال الزركشي: فلو عكس الأولى فقال: خذه يوما غير وديعة ويوما وديعة، فالقياس أنها أمانة، لأنه أخذها بإذن المالك وليست عقد وديعة، وإن عكس الثانية فالقياس أنها في اليوم الأول عارية وفي الثاني أمانة. (ولو أودعه صبي أو مجنون مالا لم يقبله) لأن إيداعه كالعدم لعدم أهليته. (فإن قبل) المال وقبضه (ضمن) لعدم الإذن المعتبر كالغاصب، ولهذا التعليل لا يقال الوديعة لا ضمان فيه فكذا فاسدها. قال السبكي: ولا يحتاج أن يقال هو باطل، ويفرق بين الفاسد والباطل ولا يبرأ إلا بالرد إلى وليه.