تنبيه: استثنى من تضمنه ما لو خيف هلاكه فأخذه حسبة صونا له فإنه لا يضمنه، وما لو أتلف الصبي وديعة نفسه بلا تسليط من الوديع فإنه يبرأ كما صرح به الرافعي في الجراح قبيل الفصل الثاني في المماثلة، ولو أودعه عبد بغير إذن سيده لم يبرأ إلا بالرد إلى سيده. (ولو أودع صبيا) أو مجنونا (مالا فتلف عنده) ولو بتفريط، (لم يضمن) كل منهما ما تلف عنده، إذ ليس عليه حفظه فهو كما لو تركه عند بالغ من غير استحفاظ. (وإن أتلفه ضمن) ما أتلفه (في الأصح) لعدم تسليطه عليه. والثاني: لا، كما لو باعه شيئا وسلمه إليه. وأجاب الأول بأن البائع أذن في الاستهلاك بخلاف الايداع.
تنبيه: المرجح في الروضة كأصلها أن الخلاف قولان. (والمحجور عليه بسفه) في إيداعه والايداع عنده والاخذ منه وعدم تضمينه بالتلف عنده وتضمينه بإتلافه (كصبي) فيما ذكر.
تنبيه: قضية تقييده بالحجر أن السفيه إذا لم يحجر عليه بخلافه، قال الزركشي: ويشبه أن يكون على الخلاف في سائر تصرفاته، ولو أودع عند رقيق بغير إذن سيده فتلف عنده ما أودعه لم يضمنه، كذا أطلقاه، وقيده الجرجاني بعدم التفريط. قال: ولا يفارق الرقيق الصبي إلا في هذه الحالة فإن الصبي لا يضمن ولو فرط. وأورد على حصره أن الصبي لا يودع عنده أصلا ويودع عند الرقيق بإذن سيده، وكلاهما محمول على ما قيد به. وولد الوديعة وديعة كأمه بناء على أنها عقد، وقيل إنها أمانة شرعية. فإن قيل: لا فائدة لهذا الخلاف. أجيب بأن له فائدة، وهي أن العين على الأول إنما يجب ردها بعد الطلب، ويجب ردها على الثاني حالا.
تنبيه: أحكام الوديعة ثلاثة: الأول: الجواز، والثاني: الأمانة، والثالث: الرد. وقد شرع في الحكم الأول. فقال:
(وترتفع) الوديعة، أي ينتهي حكمها (بموت المودع) بكسر الدال، (أو المودع) بفتحها، وحجر سفه عليه (وجنونه وإغمائه) وبعزل الوديع نفسه، وبالجحود المضمن، وبالاقرار بها لآخر، وبنقل المالك الملك فيها ببيع ونحوه ونحو ذلك كالوكالة. ويجب على الوديع الرد إلى الولي في مسألة الجنون وإلى الوارث في مسألة الموت وإلا فيضمن لزوال الائتمان.
ولو وكل المالك الوديع في إجارتها فأجرها وانقضت مدة الإجارة عادت وديعة عند عامة الأصحاب، (ولهما الاسترداد والرد) أي للمودع بكسر الدال الاسترداد، وللمودع بفتحها الرد، (كل وقت) لأن لكل منهما الامرين كما توهمه وعبارة والمحرر. وللمودع أن يسترد متى شاء، وللمودع الرد كذلك، فهي أوضح من عبارة المصنف. أما المودع فلانه المالك، وأما المودع فلانه متبرع بالحفظ. قال ابن النقيب: وينبغي أن يقيد جواز الرد للمودع بحالة لا يلزمه فيها القبول، وإلا حرم الرد، فإن كان بحالة يندب فيها القبول فالرد خلاف الأولى إن لم يرض به المالك.
تنبيه: أفرد المصنف الضمير أولا لأن العطف ب أو ثم ثناء ثانيا. قال الزركشي: ولا وجه لذلك. ثم شرع في الحكم الثاني وهو الأمانة، فقال: (وأصلها الأمانة) أي موضوعها على ذلك، يعني أن الأمانة ليست فيها تبعا كالرهن بل هي مقصودة فيها سواء أكانت تجعل أم لا كالوكالة، ولان المودع يحفظها لمالك فيده كيده، ولو ضمن لرغب الناس عن قبول الودائع، فلو أودعه بشرط أن تكون مضمونة عليه أو أنه إذا تعدى فيها لا ضمان عليه لم يصح فيهما.
تنبيه: قضية إطلاقهم أنه لا فرق في عدم الضمان بين الصحيحة والفاسدة، وهو كذلك كما هو مقتضى القاعدة، قال في الكالي: ولو أودعه بهيمة وأذن له في ركوبها أو ثوبا وأذن له في لبسه فهو إيداع فاسد لأنه شرط فيه ما ينافي مقتضاه، فلو ركب أو لبس صارت عارية فاسدة، فإذا تلف قبل الركوب والاستعمال لم يضمن كما في صحيح الايداع أو بعده ضمن كما في صحيح العارية. (وقد تصير) الوديعة (مضمونة) على الوديع بالتقصير فيها، وله أسباب عبر عنها المصنف (بعوارض: منها أن يودع غيره) ولو ولده أو زوجته أو عبده أو قاضيا (بلا إذن) من المودع (ولا عذر) له،