(فيضمن) لأن المودع لم يرض بأمانة غيره ولا يده. نعم استثنى السبكي ما لو طالت غيبة المالك، أي وتضجر من الحفظ كما في التتمة، فأودعها الوديع القاضي.
تنبيه: قول المصنف: فيضمن، أي صار طريقا في الضمان، لأن للمالك أن يضمن من شاء من الأول أو الثاني، فإن ضمن الثاني وهو جاهل بالحال رجع على الأول، بخلاف العالم لأنه غاصب لا مودع، أما إذا أودعها لعذر كمرض أو سفر فإنه لا يضمن، ولا فرق بين سفر الضرورة وغيره على الصحيح. نعم قال الأذرعي ينبغي أن يكون مباحا. (وقيل إن أودع القاضي) الأمين (لم يضمن) لأن أمانة القاضي أظهر من أمانته، (وإذا لم يزل) بضم أوله وكسر ثانيه، (يده) ولا نظره (عنها جازت الاستعانة بمن يحملها) معه ولو أجنبيا، (إلى الحرز أو يضعها في خزانة) بكسر الخاء بخطه: موضع يخزن فيه، (مشتركة) بينه وبين الغير كالعارية، لجريان العادة بذلك، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها، فإن كانت بمخزنه فخرج لحاجته واستحفظ عليها ثقة يختص به وهو يلاحظها في عوداته لم يضمن، وإذا قطع نظره عنها ولم يلاحظها فكذلك كما صرح به الفوراني وقال إنه الذي أشعر به فحوى كلام الأئمة. قال السبكي: والمتبع في ذلك العرف، فالملوك والامراء أموالهم في خزائنهم بأيدي خزان لهم، والعرف قاض بأنها في أيديهم. وإن كانت في غير مسكنه ولم يلاحظها ضمن لتقصيره، أما إذا استحفظ غير ثقة أو من لا يختص به فعليه الضمان. (وإذا أراد) الوديع (سفرا) ولو قصيرا وقد أخذ الوديعة حضرا، (فليرد) ما (إلى المالك أو وكيله) مطلقا، أو وكيله في استرداد هذه خاصة ليخرج من العهدة، فإن دفع لغيره ضمن في الأجنبي قطعا وفي القاضي على الأصح لأنه لا ولاية للحاكم عليه.
تنبيه: لا يخفى أن له دفعها إلى ولي المحجور عليه لجنون أو سفه طرأ لأنه قائم مقامه. (فإن فقدهما) أي المالك ووكيله لغيبة، أي لمسافة قصر كما بحثه ابن الرفعة أخذا من كلامهم في عدل الراهن، (فالقاضي) أي يردها إليه، أي إذا كان أمينا كما نقله الأذرعي عن تصريح الأصحاب. ويلزمه القبول في الأصح وإن كان سفره لا لحاجة لأنه نائب الغائبين، وكذا الاشهاد على نفسه بقبضها كما قاله الماوردي. قال الشيخ أبو حامد: وإنما يحملها إلى الحاكم بعد أن يعرفه الحال ويأذن له، فلو حملها ابتداء قبل أن يعرفه ضمن. ولا شك أنه لو أمره القاضي بدفعها إلى أمين كفى كما قاله الزركشي، ولا يتعين عليه أن يتسلمها بنفسه. ولو كان المالك محبوسا بالبلد وتعذر الوصول إليه فكالغائب كما قاله القاضي أبو الطيب، ويقاس بالحبس التواري ونحوه، وبالمالك عند فقده وكيله، ولا يلزم القاضي قبول الدين ممن هو عليه ولا المغصوب من غاصبه للغائب فيهما، لأن بقاء كل منهما أحفظ لمالكه، لأنه يبقى مضمونا له، ولان الدين في الذمة لا يتعرض للتلف، وإذا تعين تعرض له، ولان من في يده العين يثقل عليه حفظها. (فإن فقده) أي القاضي، أو كان غير أمين، (فأمين) يردها إليه يأتمنه المودع وغيره لئلا يتضرر بتأخير السفر. ويجب عليه الاشهاد في أحد وجهين رجحه ابن الملقن، فإن الأمين قد ينكر، فإن ترك هذا الترتيب ضمن لعدوله عن الواجب عليه.
تنبيه: قضية كلام المصنف أنه لا رتبة في الاشخاص بعد الأمين، وهو كذلك. وأغرب في الكافي، فقال:
فإن لم يجده وسلمها إلى فاسق لا يصير ضامنا في الأصح. (فإن دفنها بموضع) ولو حرزا (وسافر ضمنها) لأنه عرضها للاخذ. هذا إذا لم يعلم بها من ذكره في قوله: (فإن أعلم بها أمينا) يجوز الايداع عنده كما في الروضة، (يسكن الموضع) الذي دفنت فيه، وهو حرز مثلها، (لم يضمن في الأصح) لأن ما في الموضع في يد ساكنة فكأنه أودعه إياها فشرطه فقد القاضي الأمين. وقد علم من ذلك أن المراد الدفع إلى القاضي أو إعلامه به، أو الدفع إلى الأمين أو إعلامه به.
والثاني: يضمن، لأن هذا إعلام لا إيداع لعدم التسليم. فإن أعلم أمينا لا يجوز الايداع عنده ضمن كما في الروضة، وهذا