قال: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة منهم عثمان والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فكان يحفظ أموالهم وينفق عليهم من ماله، ولم يعرف لهم مخالف. وروى البيهقي بإسناد حسن أن ابن مسعود قد أوصى فكتب: وصيتي إلى الله تعالى وإلى الزبير وابنه عبد الله، بل قال الأذرعي: يظهر أنه يجب على الآباء الوصية في أمر الأطفال إذا لم يكن لهم جد أهل للولاية إلى ثقة كاف وجيه إذا وجده وغلب على ظنه أنه إن ترك الوصية استولى على ماله خائن من قاض أو غيره من الظلمة، إذ قد يجب عليه حفظ مال ولده عن الضياع. قال: ويصح الايصاء على الحمل كما اقتضاه كلام الروياني وغيره. والمراد كما قال شيخنا الحمل الموجود حالة الايصاء. ويجب الايصاء في رد مظالم وقضاء حقوق عجز عنها في الحال ولم يكن بها شهود كما مر مع زيادة أول هذا الكتاب مسارعة لبراءة ذمته، فإن لم يوص أحدا بها فأمرها إلى القاضي ينصب من يقوم بها. وقد تقدم الكلام في الجنائز على ما إذا أوصى لشخص أن يصلي عليه أو أن يقرأ على قبره كذا هل يصح أو لا؟ وأركان الوصاية أربعة: وصي، وموصى، وموصى فيه، وصيغة. وقد شرع في بيان شرط الأول فقال:
(وشرط الوصي) أي الموصى إليه (تكليف) أي بلوغ وعقل، لأن غيره مولى عليه فكيف يلي أمر غيره والوصي كما في الصحاح من أسماء الأضداد يطلق على الذي يوصي، وعلى من يوصى إليه وهو المراد هنا كما مر. (وحرية) لأن الرقيق لا يتصرف في مال أبيه، فلا يصلح وصيا لغيره وإن أذن له سيده كالمجنون، ولان ذلك يستدعي فراغا وهو مشغول بخدمة سيده، وشمل ذلك القن والمبعض والمكاتب والمدبر. قال ابن الرفعة: ومن هذه المسألة يفهم منع الايصاء لمن أجر نفسه في عمل مدة لا يمكنه فيها التصرف بالوصاية، وفي مدبره وأم ولده خلاف مبني على أن صفات الوصي متى تعتبر، والأصح عند الموت كما سيأتي فتصح إليهما. (وعدالة) فلا تجوز إلى فاسق بالاجماع لأنها ولاية وائتمان، وتكفي العدالة الظاهرة كما قال الهروي في أدب القضاء. (وهداية إلى التصرف في الموصى به) فلا يصح إلى من لا يهتدي إليه لسفه أو مرض أو هرم أو تغفل، إذ لا مصلحة في تولية من هذا حاله. (وإسلام) فلا يصح الايصاء من مسلم إلى ذمي إذ لا ولاية لكافر على مسلم، ولتهمته، قال تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * وقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) * الآية. (لكن الأصح جواز وصية ذمي إلى ذمي) فيما يتعلق بأولاد الكفار بشرط كونه عدلا في دينه كما يجوز أن يكون وليا لهم. والثاني: المنع كشهادته.
تنبيه: تصح وصاية الذمي إلى المسلم اتفاقا كما تصح شهادته عليه وقد ثبتت له الولاية عليه، فإن الإمام يلي تزويج الذميات. ويشترط في الوصي الاختيار وعدم الجهالة والعداوة البينة للمولى عليه، واستنبط الأسنوي من ذلك كون الوصي الذمي من ملة الموصى عليه حتى لا تصح وصية النصراني إلى اليهودي أو المجوسي وبالعكس للعداوة، ورده الأذرعي بأنه لو صح ذلك لما جازت وصية ذمي إلى مسلم، وقد يرد كما قال شيخنا كل منهما بأن المعتبر العداوة الدنيوية لا الدينية، قال الأسنوي: ولو أوصى ذمي إلى مسلم وجعل له أن يوصي فالمتجه جواز إيصائه إلى ذمي، واستعبده الأذرعي، واعترضه ابن العماد بأن الوصي يلزمه النظر بالمصلحة الراجحة والتفويض إلى المسلم أرجح في نظر الشرع من الذمي اه. وهذا هو الظاهر.
قال بعض المتأخرين: وظاهر أنه لو كان لمسلم ولد بالغ سفيه ذمي فله أن يوصي عليه ذميا، وهذا بحث مردود كما يعلم مما مر، وكالذمي فيما ذكر المعاهد والمستأمن.
مسألة: سئل عنها ابن الصلاح، وهي أموال أيتام أهل الذمة إذا كانت بأيديهم هل على الحاكم الكشف عليهم؟ فأجاب بالمنع ما لم يترافعوا إلينا ولم يتعلق بها حق مسلم، وبه جزم الماوردي والروياني. وتعتبر هذه الشروط عند الموت لا عند الايصاء ولا بينهما، لأنه وقت التسلط على القبول، حتى لو أوصى إلى من خلا عن الشروط أو بعضها كصبي ورقيق ثم استكملها عند الموت صح. (ولا يضر) في الوصي (العمى في الأصح) لأنه متمكن من التوكيل فيما لا يتمكن من مباشرته. والثاني: يضر، لأنه ممتنع من المباشرة بنفسه، وهما كالوجهين في ولاية النكاح. قال الأذرعي: