الوصية لم يصح لأنه من صرائح الهبة ووجد نفاذا في موضوعه فلا يكون كناية في الوصية. (وتنعقد) الوصية (بكناية) بنون مع النية كعبدي هذا لزيد لأنه يحتمل التعيين لها والتعيين للإعارة، أو عينت هذا له كالبيع وأولى لأنها لا تفتقر إلى القبول في الحال، فأشبهت ما يستقل به الانسان من التصرفات، وإنما كان ذلك كناية للتملك بالوصية (والكتابة) بالتاء، (كناية) بنون، فينعقد بها مع النية كما في البيع وأولى، فإذا كتب لزيد كذا ونوى به الوصية له وأعرب بالنية نطقا أو ورثته بعد موته صحت، ولو كتب أوصيت لفلان بكذا وهو ناطق، وأشهد جماعة أن الكتاب خطه وما فيه وصيته ولم يطلعهم على ما فيه لم تنعقد وصيته، كما لو قيل له: أوصيت لفلان بكذا؟ فأشار أن نعم، فإن اعتقل لسانه فوصيته صحيحة بكتابة أو إشارة كالبيع.
فرع: لو قال: كل من ادعى بعد موتي شيئا أدوه له ولا تطالبوه بحجة فادعى اثنان بعد موته بحقين مختلفي القدر ولا حجة كان كالوصية يعتبر من الثلث، فإن ضاق عن الوفاء قسم بينهما على قدر حقهما، قاله الروياني. ولو قال المريض:
ما يدعيه فلان فصدقوه فمات، فهو إقرار بمجهول وتعيينه للورثة. (وإن أوصى لغير معين) بأن أوصى لجهة عامة (كالفقراء) أو لمعين غير محصور كالهاشمية والمطلبية، (لزمت بالموت بلا) اشتراط (قبول) لتعذره، ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم ولا تجب التسوية بينهم.
تنبيه: أشعر كلامه أنه لو أوصى لفقراء بلدة وكانوا محصورين أنه يشترط قبولهم كالمعين، وهو كذلك. (أو) أوصى (لمعين) محصور كزيد (اشترط القبول) كالهبة، فلو قبل بعض الموصى به ففيه احتمالان للغزالي، ونظيره الهبة، وقدمت في بابها أنه يصح كما رجحه بعض اليمانيين، فكذا هنا خلافا لبعض المتأخرين، والفرق بينهما وبين البيع فيما إذا قبل بعضه حيث لم يصح أن البيع فيه المعاوضة فلم يغتفر فيه ما اغتفر فيهما.
تنبيه: دخل في المعين المتعدد المحصور كبني زيد فيتعين قبولهم، ويجب استيعابهم والتسوية بينهم. ولو كانت الوصية لمحجور عليه قبل له وليه، والظاهر أنه أراد بالمعين الآدمي، أما لو كانت لمعين غير آدمي كمسجد فهل نقول ناظر الوقف كالولي أن يكون كالوصية لجهة عامة؟ قال الأذرعي: لم يحضرني فيه نص والثاني أقرب. وكذا لو أوصى للخيل المسبلة بالثغور ونحو ذلك. وقال ابن الرفعة: لا بد من قبول قيم المسجد فيما نظنه اه. وهذا كما قال شيخي أوجه. وظاهر كلامهم أن المراد القبول اللفظي، وهو كذلك، وإن بحث الزركشي الاكتفاء بالفعل وهو الاخذ كالهدية، قال: وفحل اشتراط القبول من المعين في غير العتق، فلو قال: أعتقوا عبدي بعد موتي لم يفتقر إلى قبول العبد لأن فيه حقا لله تعالى فكان كالجهة العامة، ومثله التدبير. وإذا قلنا إنه وصية: أي على رأي، فإنه يتنجز بالموت من غير توقف على قبول كما قاله الرافعي في الكلام على رهن المدبر. نعم، لو قال: أوصيت له برقبته ففي افتقار القبول وجهان، أصحهما نعم لاقتضاء الصيغة القبول، ذكره الرافعي قبيل المسائل الحسابية. (ولا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي) إذ لا حق له قبل الموت فأشبه إسقاط الشفعة قبل البيع، فلمن قبل في الحياة الرد بعد الموت وبالعكس. ويصح الرد بين الموت والقبول لا بعدهما وبعد القبض، وأما بعد القبول وقبل القبض فالأوجه عدم الصحة كما صححه في الروضة كأصلها، وقال الأسنوي: إنه المفتى به، وجرى عليه ابن المقري في روضه، وإن صحح المصنف في تصحيحه الصحة وقال الأذرعي: إنه الصحيح المنصوص عليه في الأم، وجرى عليه العراقيون، وعلله بأن ملكه قبل القبض لم يتم، قال: ولعل الرافعي تبع البغوي في الترجيح. (ولا يشترط بعد موته) أي الموصي (الفور) في القبول، لأن الفور إنما يشترط في العقود الناجزة التي يعتبر فيها ارتباط الايجاب بالقبول، إذ لو اعتبر لاعتبر عقب الايجاب وللوارث مطالبة الموصى له بالقبول أو الرد، فإن امتنع حكم عليه بالرد. هذا إذا كان الموصى له مطلق التصرف، فإن كان محجورا عليه وامتنع الولي من القبول وكان الحظ له فيه، فالمتجه أن الحاكم