في الصبر ليلا لخفائه على الابصار فكذا ما أخفاه ثيابها. قال الرافعي: والغالية وإن ذهب ريحها كالخضاب. ويحرم تطريف أصابعها وتصفيف شعر طرتها وتجعيد شعر صدغيها وحشو حاجبيها بالكحل وتدقيقه بالحف. (ويحل) لها (تجميل فراش) وهو ما ترقد أو تقعد عليه من نطع مرتبة ووسادة ونحوها. (و) تجميل (أثاث) وهو بفتح الهمزة وبمثلثتين: متاع البيت، لأن الاحداد في البدن لا في الفراش ونحوه. وأما الغطاء فالأشبه كما قال ابن الرفعة: أنه كالثياب ليلا ونهارا، وإن خصه الزركشي بالنهار. (و) يحل لها (تنظيف بغسل نحو رأس وقلم) لأظفار واستحداد ونتف شعر إبط (وإزالة وسخ) ولو طاهرا لأن جميع ذلك ليس من الزينة، أي الداعية إلى الوطئ، فلا ينافي اسمها على ذلك في صلاة الجمعة ونحوها. وأما إزالة الشعر المتضمن زينة، كأخذ ما حول الحاجبين وأعلى الجبهة فتمنع منه كما بحثه بعض المتأخرين، بل صرح الماوردي بامتناع ذلك في حق غير المعتدة. وأما إزالة شعر لحية أو شارب ينبت لها فتسن إزالته كما قاله المصنف في شرح مسلم، ومر ذلك في شروط الصلاة، خلافا لابن جرير في قوله بالحرمة. (قلت: ويحل) لها (امتشاط) بلا ترجل بدهن ونحوه، ويجوز بسدر ونحوه للنص فيه في سنن أبي داود، وحمل حديث ولا تمتشط على تمشط بطيب ونحوه. (و) يحل لها (حمام) بناء على ما رجحه المصنف من جواز دخولها له بلا ضرورة، وسيأتي الكلام على ذلك في باب النفقات إن شاء الله تعالى. ثم قيد الجواز بقيد حسن محذوف في الروضة وهو قوله:
(إن لم يكن) فيه (خروج محرم) فإن كان لم يحل. (ولو تركت) المحدة المكلفة (الاحداد) الواجب عليها كل المدة أو بعضها، (عصت) إن علمت حرمة الترك كما قاله ابن المقري كتركها الواجب، وأما الصغيرة أو المجنونة فيعصي وليها إن لم يمنعها. (وانقضت العدة) مع العصيان. وهذا (كما لو فارقت المعتدة) المحدة أو غيرها بلا عذر (المسكن) الذي يجب عليها ملازمته بلا عذر كما سيأتي، فإنها تعصي وتنقضي عدتها بمضي المدة، إذ العبرة في انقضائها بانقضاء العدة. (ولو بلغتها الوفاة) أي موت زوجها أو طلاقه، (بعد المدة) للعدة (كانت منقضية) ولم يكن عليها غيرها لما مر، (ولها) أي المرأة (إحداد على غير زوج) من الموتى (ثلاثة أيام) فأقل، (وتحرم الزيادة) عليها بقصد الاحداد (والله أعلم) فلو تركت ذلك بلا قصد لم تأثم، ذكره في أصل الروضة في الشقاق. وذلك مأخوذ من الخبرين السابقين، ولان في تعاطيه إظهار عدم الرضا بالقضاء، والأليق بها التقنع بجلباب الصبر. وإنما رخص للمعتدة في عدتها لحبسها على المقصود من العدة ولغيرها من الثلاث لأن النفوس قد لا تستطيع فيها الصبر، ولذلك تسن فيها التعزية وبعدها تنكسر أعلام الحزن. قال الأذرعي:
والأشبه أن المراد بغير الزوج القريب كما أشار إليه القاضي، فلا يجوز للأجنبية الاحداد على أجنبي أصلا ولو بعض يوم ولم أر فيه نصا. قال الغزي: ويظهر أن الصديق كالقريب، وكذا العالم والصالح. وضابطه من يحصل بموته حزن، فكل من حزنت بموته لها أن تحد عليه ثلاثة أيام، هذا هو الذي يظهر اه. ويمكن حمل إطلاق الحديث وحمل إطلاق كلام الأصحاب على هذا، وهذا لا بأس به.
تنبيه: كلام المصنف يفهم أن الرجل ليس له الاحداد على قريبه ثلاثة أيام، وهو كذلك، وما قاله الإمام من أن التحزن في المدة لا يختص بالنساء منعه ابن الرفعة فإنه شر للنساء لنقص عقلهن المقتضي عدم الصبر مع أن الشارع أوجب على النساء الاحداد دون الرجال.
فصل: في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقها: (تجب سكنى لمعتدة طلاق) حائل أو حامل (ولو بائن) بالجر عطفا على المجرور، والأولى نصبه: أي ولو كانت بائنا، ويجوز رفعه بتقدير مبتدأ محذوف: أي ولو وهي بائن. ويستمر