تنبيه: الوطئ المسقط للاحصان كطرو الزنا. (أو ارتد، فلا) يسقط الحد عن قاذفه. والفرق بين الردة والزنا أنه يكتم ما أمكن. فإذا ظهر أشعر بسبق مثله، لأن الله تعالى كريم لا يهتك الستر أول مرة كما قاله عمر رضي الله عنه، والردة عقيدة والعقائد لا تخفى غالبا فإظهارها لا يدل على سبق الاخفاء. وكالردة السرقة والقتل، لأن ما صدر منه ليس من جنس ما قذف به. (ومن زنى) حال تكليفه ولو (مرة ثم صلح) بأن تاب وصلح حاله، (لم يعد محصنا) أبدا، ولو لازم العدالة وصار من أروع خلق الله وأزهدهم، فلا يحد قاذفه سواء أقذفه بذلك الزنا، أم بزنا بعده، أم أطلق، لأن العوض إذا انخزم بالزنا لم يزل خلله بما يطرأ من العفة فإن قيل: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. أجيب بأن هذا بالنسبة إلى الآخرة.
تنبيه: دخل في قولنا حال تكليفه العبد والكافر، فإنهما إذا زنيا لم يحد قاذفهما بعد الكمال لما ذكر. وخرج به الصبي والمجنون فإن حصانتهما لا تسقط به كما مرت الإشارة إليه، فيحد من قذف واحدا منهما بعد الكمال لأن فعلهما ليس بزنا لعدم التكليف. (وحد القذف) وتعزيره كل منهما (يورث) كسائر حقوق الآدميين. ولو مات المقذوف مرتدا قبل استيفاء الحد فالأوجه كما قال شيخنا أنه لا يسقط بل يستوفيه وارثه لولا الردة للتشفي كما في نظيره من قصاص الأطراف.
(ويسقط) إما (بعفو) عن جميعه كغيره أو بأن يرث القاذف الحد. فلو عفا عن بعضه لم يسقط منه شئ كما ذكره الرافعي في الشفعة. وألحق في الروضة التعزير بالحد، فقال: إنه يسقط بعفو أيضا، ولم يتعرض له الرافعي هنا، فإن قيل:
قد صحح في باب التعزير جواز استيفاء الإمام له مع العفو فهو مخالف لما هنا. أجيب بأنه لا مخالفة، لأن المراد هنا بالسقوط سقوط حق الآدمي وهذا متفق عليه في الحد والتعزير، وفائدته أنه لو عفا عن التعزير ثم عاد وطلبه لا يجاب، وأن للإمام أن يقيمه للمصلحة لا لكونه حق آدمي، وهو المراد هناك.
فروع: لو عفا وارث المقذوف على مال سقط ولم يجب المال كما في فتاوي الحناطي، وفيها أيضا أنه لو اغتاب شخصا لم يؤثر التحليل من ورثته. ولو قذف رجلا بزنا يعلمه المقذوف لم يجب الحد عند جميع العلماء إلا مالكا، فإنه قال: له طلبه. ولو قذفه فعفا عنه ثم قذفه لم يحد كما بحثه الزركشي بل يعزر. (والأصح أنه) أي حد القذف إذا مات المقذوف قبل استيفائه ومثله التعزير، (يرثه) أي جميعه (كل) فرد من (الورثة) الخاصين حتى الزوجين على سبيل البدل، وليس المراد أن كل واحد له حد وإلا لتعدد الحد بتعدد الورثة، ثم من بعدهم للسلطان كالمال والقصاص والثاني: يرثه جميعهم إلا الزوجين، لارتفاع النكاح بالموت. وعلى الأول لو كان المقذوف ميتا هل لأحدهما حق أو لا؟
وجهان، أوجههما كما قال شيخنا المنع لانقطاع الوصلة حالة القذف. ولو قذفه أو قذف مورثه شخص كان له تحليفه في الأولى أنه لم يزن، وفي الثانية أنه لم يعلم زنا مورثه لأنه ربما يقر فيسقط الحد. قال الأكثرون: ولا تسمع الدعوى بالزنا والتحليف إلا في هذه المسألة. (والأصح أنه لو عفا بعضهم) أي بعض الورثة عن حقه مما ورثه من الحد، (فللباقين) منهم (كله) أي استيفاء جميعه، لما مر أنه لكل فرد منهم كولاية التزويج وحق للشفعة، ولأنه عار، والعار يلزم الواحد كما يلزم الجميع.
تنبيه: قضية هذا استقلال كل بالاستيفاء وإن لم يعف غيره، وهو ما ذكره المحاملي وجعله كولاية النكاح، وفي الحاوي ما يقتضيه. والثاني: يسقط جميعه كما في القود. وفرق الأول بأن القود له بدل يعدل إليه وهو الدية بخلافه. والثالث: يسقط نصيب العافي ويستوفي الباقي، لأنه قابل للتقسيط بخلاف القود.
فائدة: هذه المسألة لا نظير لها. فإن أخواتها من المسائل إما أن يتوقف الحق فيها عند عدم العفو على بقية الشركاء كالشفعة، أو يسقط كالقصاص. وهذا كله فيما إذا كان المقذوف حرا، فإن كان رقيقا واستحق التعزير على غير سيده ثم مات فهل يستوفيه سيده أو عصبته الأحرار أو السلطان؟ وجوه أصحها أولها.