مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ٣٧١
قذفها حد، وإن حلف أنه لم يرده فلا حد ويعزر للايذاء، فإن قال: أردت القذف، رتب عليه موجبه من حد أو تعزير.
أما إذا قال له ذلك بعد استلحاق النافي له فهو قذف صريح، اللهم إلا أن يدعي احتمالا ممكنا كقوله: لم يكن ابنه حين نفاه، فإنه يصدق بيمينه كما في زيارة الروضة، ويعزر للايذاء ولا يحد لاحتمال ما أراده. وحاصله أنه قذف عند الاطلاق فيحده من غير أن يسأله ما أراد، فإن ادعى محتملا صدق بيمينه ولا حد. والفرق بين هذا وبين ما قبل الاستلحاق أنا لا نحده هناك حتى نسأله، لأن لفظه كناية فلا يتعلق به حق إلا بالبينة، وهنا ظاهر لفظه القذف فيحد بالظاهر إلا أن يذكر محتملا. ثم شرع في موجب القذف وهو الحد، فقال: (ويحد قاذف محصن) ثمانين جلدة، لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات) * الآية، وسيأتي بيان الحد وشرطه في بابه. (ويعزر غيره) وهو قاذف غير المحصن، كالعبد والذمي والصبي والزاني للايذاء.
تنبيه: عبارته قد توهم تعزير من لم يقذف أحدا، فلو قال كالمحرر: ويعزر قاذف غيره كان أولى، وسيأتي بيان التعزير آخر كتاب الأشربة. (والمحصن) الذي يحد قاذفه (مكلف) ومثله السكران المتعدي بسكره. وإنما لم يستثنه مع أنه على رأيه غير مكلف اعتمادا على استثنائه له في باب حد القذف. (حر مسلم عفيف عن وطئ يحد به) فإن لم يطأ أصلا أو وطئ وطئا لا يحد به كوطئ الشريك الأمة المشتركة، لأن أضداد ذلك نقص. وفي الخبر: من أشرك بالله فليس بمحصن وإنما جعل الكافر محصنا في حد الزنا لأن حده إهانة له، والحد بقذفه إكرام له، واعتبرت العفة لأن من زنى لا يتعير به.
تنبيه: يرد على ما ذكره وطئ زوجته في دبرها فإنه تبطل به حصانته على الأصح مع أنه لا يحد به. ويتصور الحد بقذف الكافر بأن يقذف مرتدا بزنا يضيفه إلى حال إسلامه، وبقذف المجنون بأن يقذفه بزنا يضيفه إلى حال إفاقته، وبقذف العبد بأن يقذفه بزنا يضيفه إلى حال حريته إذا طرأ عليه الرق، وصورته فيما إذا أسلم الأسير ثم اختار الإمام فيه الرق. (وتبطل الصفة) المعتبرة في الاحصان (بوطئ) شخص وطئا حراما وإن لم يحد به، كوطئ (محرم) له برضاع، أو نسب كأخت (مملوكة) له مع علمه بالتحريم (على المذهب) لدلالته على قلة مبالاته بالزنا بل غشيان المحارم أشد من غشيان الأجنبيات. وقيل: لا تبطل العفة به على نفس الحد لعدم التحاقه بالزنا.
تنبيه: عبر المصنف في هذا الخلاف المرتب بالمذهب على خلاف اصطلاحه. (ولا) تبطل العفة بوطئ حرام في نكاح صحيح، كوطئ (زوجته في عدة شبهة) لأن التحريم عارض يزول. (و) لا بوطئ (أمة ولده) لثبوت النسب حيث حصل علوق من ذلك الوطئ مع انتفاء الحد، وقيده الأذرعي بما إذا لم تكن موطوءة الولد ولا مستولدته، والظاهر إطلاق كلام الأصحاب. (و) لا بوطئ في نكاح فاسد، كوطئ (منكوحته) بهاء الضمير، (بلا ولي) أو بلا شهود لقوة الشبهة.
وقوله: (في الأصح) راجع للجميع، ومقابله تبطل العفة بما ذكر لحرمة الوطئ فيه.
تنبيه: قضية إطلاقه أنه لا فرق بين جريان الخلاف في وطئ المنكوحة بلا ولي بين معتقد الحل وغيره، لكن قضية نص الام والمختصر وكلام جماعة من الأصحاب اختصاصه بمعتقد التحريم، وهو ظاهر. ولا تبطل العفة بوطئ زوجته أو أمته في حيض أو نفاس أو إحرام أو صوم أو اعتكاف، ولا بوطئ مملوكة له مرتدة أو مزوجة أو قبل الاستبراء أو مكاتبة، ولا بوطئ زوجته الرجعية، ولا بزنا صبي ومجنون، ولا بوطئ جاهل تحريم الوطئ لقرب عهده بالاسلام أو نشأته ببادية بعيدة عن العلماء، ولا بوطئ مكره، ولا بوطئ مجوسي محرما له كأمه بنكاح أو ملك، لأنه لا يعتقد تحريمه، ولا بمقدمات الوطئ في الأجنبية. (ولو زنا مقذوف) قبل أن يحد قاذفه (سقط الحد) عن قاذفه، لأن الاحصان لا يستيقن بل يظن وظهور الزنا يخلصه، كالشاهد ظاهره العدالة شهد بشئ ثم ظهر فسقه قبل الحكم.
(٣٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460