لمن يمكن وطؤه في معرض التعبير، فلو قال لابنة سنة مثلا: زنيت فإنه ليس بقذف كما قاله الماوردي، لأن القذف ما احتمل الصدق أو الكذب، وهذا مقطوع بكذبه، ولهذا يعزر للايذاء. ولو شهد عليه بالزنا مع تمام النصاب لم يكن قذفا، وكذا لو شهد عليه شاهد بحق فقال: خصمي يعلم زنا شاهده فحلفه أنه لا يعلمه، ومثله: أخبرني بأنه زان أو شهد يجرحه فاستفسره الحاكم فأخبره بزناه كما قاله الشيخ أبو حامد وغيره، أو قال له: اقذفني فقذفه على الصحيح، وكذا لو كان اسمها زانية فناداها به. وهذه الصور كلها تخرج بقولنا على جهة التعبير، ولا فرق في المرأة بين أن يعلمها أو يظنها زوجته أم لا.
(والرمي) لشخص (بإيلاج) ذكره أو (حشفة) منه (في فرج مع وصفه) أي الايلاء (بتحريم) مطلقا، (أو) الرمي بإيلاج ذكر أو حشفة في (دبر صريحان) وهذا خبر المبتدأ، والمعطوف عليه المقدر ب أو التقسيمية كما تقرر. ولو قال: صريح كان أولى، لأن العطب ب أو. ومن الصريح اللفظ المركب من النون والياء والكاف الموصوف بالحرمة لأنه صريح لا يقبل التأويل، وكذا كل صريح في الايلاج وصف بالتحريم فإنه صريح. وإنما اشترط الوصف بالتحريم في القبل دون الدبر لأن الايلاج في الدبر لا يكون إلا حراما، فإن لم يصف الأول بالتحريم فليس بصريح لصدقه بالحلال بخلاف الثاني: فإن قيل: الوطئ في القبل قد يكون محرما وليس بزنا كوطئ حائض ومحرمة بنسب أو رضاع، فالوجه أن يضيف إلى وصفه بالتحريم ما يقتضي الزنا. أجيب بأن المتبادر عند الاطلاق الحرام لذاته فهو صريح، فإن ادعى شيئا مما ذكر واحتمل الحال قبل منه كما في الطلاق في دعوى إرادة حل الوثاق، وسواء خوطب بهما ذكر أم أنثى، كقوله للذكر:
أولجت في فرج محرم أو دبر أو أولج في دبرك، ولها: أولج في فرجك المحرم أو دبرك. وقوله: زنيت في قبلك صريح في المرأة دون الرجل، لأن الرجل يزني به لا فيه. ولو قال: وطئك في القبل أو الدبر اثنان معا لم يكن قذفا لاستحالته، فهو كذب محض فيعزر للايذاء. فإن أطلق بأن لم يقيد بقبل ولا دبر قال الأسنوي: فيحد لامكان ذلك بوطئ واحد في القبل والآخر في الدبر اه. وفي هذا نظر لا يخفى على من يعرف النساء. (وزنأت) بالهمز (في الجبل) أو السلم أو نحوه، (كناية) لأن الزنا في الجبل ونحوه هو الصعود فيه. واحترز بالتقيد بالجبل عما لو قال: زنأت - بالهمزة - في البيت فإنه صريح، لأنه لا يستعمل بمعنى الصعود في البيت ونحوه، فإن كان فيه درج يصعد إليه فيها فوجهان، أوجههما كما قال شيخنا أنه كناية.
(وكذا زنأت فقط) أي بالهمز وحذف الجبل كناية (في الأصح) لأن ظاهره يقتضي الصعود. والثاني: أنه صريح، والياء قد تبدل همزة. والثالث: إن أحسن العربية فكناية، وإلا فصريح. (وزنيت) بالياء (في الجبل صريح في الأصح) للظهور فيه كما لو قال في الدار. وذكر الجبل يصلح فيه إرادة محله، فلا ينصرف الصريح عن موضوعه، فلو قال: أردت الصعود صدق بيمينه لاحتمال إرادته. والثاني: أنه كناية، لأن الياء قد تقام مقام الهمزة، ونقله الأذرعي عن نص الام.
والثالث: إن أحسن العربية فصريح منه وإلا فكناية. ولو قال: يا زانية في الجبل بالياء كان كناية كما قالاه. فإن قيل: هلا كان كقوله زنيت في الجبل كما مر أجيب بأنه لما قرن قوله في الجبل الذي هو محل الصعود بالاسم المنادى الذي لم يوضع لانشاء العقود خرج عن الصراحة بخلاف الفعل. (وقوله) لرجل: (يا فاجر يا فاسق) يا خبيث، (ولها) أي لامرأة: يا فاجرة يا فاسقة (يا خبيثة وأنت تحبين الخلوة) أي الظلمة أو لا تردين يد لامس، (ولقرشي: يا نبطي) نسبة للانباط، وهم قوم ينزلون البطائح بين العراقين، أي أهل الزراعة، سموا بذلك لاستنباطهم الماء، أي إخراجه من الأرض. (ولزوجته: لم أجدك عذراء) أو بكرا أو وجدت معك رجلا، (كناية) في القذف هو راجح للمسائل كلها لاحتمالها القذف وغيره، والقذف في يا نبطي لام المخاطب. ولو عبر بالعربي بدل القرشي لكان أعم.