كقبوله، وقبوله فور، فإن أخرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الايجاب أو تخلل كلام أجنبي كثير بين تفويضه وتطليقها ثم طلقت نفسها لم تطلق. فلو قالت: كيف أطلق نفسي ثم طلقت وقع، والفصل بذلك لا يؤثر لقصره، ولا يصح من غير مكلف، ولا يقع على غير مكلفة كما علم مما مر لفساد العبارة. نعم لو قال: وكلتك في طلاق نفسك لم يشترط الفور، وكذا إن قال: طلقي نفسك متى - أو متى ما - شئت لم يشترط الفور وإن اقتضى التمليك اشتراطه، قال ابن الرفعة: لأن الطلاق لما قبل التعليق سومح في تمليكه، وهذا ما جزم به صاحب التنبيه ووجهه ابن الرفعة بما ذكره، وجرى عليه ابن المقري في روضه، وقيل: لا يصح إلا على القول بأنه توكيل، والمعتمد الأول ووجهه ما مر. (وإن قال لها طلقي) نفسك (بألف فطلقت) فورا وهي جائزة التصرف بانت (ولزمها ألف) ويكون تمليكها بعوض كالبيع، فإن لم يذكر عوض فهو كالهبة (وفي قول) نسب للقديم أن التفويض (توكيل) كما لو فوض طلاقها لأجنبي وأجاب الأول بأن لها فيه غرضا وله بها اتصالا. وإذا قلنا بأنه توكيل (فلا يشترط) في تطليقها (فور في الأصح) كما في توكيل الأجنبي. والثاني: يشترط لما فيه من شائبة التمليك (و) على قول التوكيل (في اشتراط قبولها) لفظا (خلاف الوكيل) الذي سبق في بابه، والمرجح منه عدم اشتراط القبول لفظا.
تنبيه: لو قال كالمحرر: ففي اشتراط لأفهم التفريع على ما قبله. (وعلى القولين) لتمليك والتوكيل (له الرجوع) عن التفويض (قبل تطليقها) لأن التمليك والتوكيل يجوز الرجوع فيهما قبل القبول، فإذا رجع ثم طلقت لم يقع علمت برجوعه أم لا (ولو) علق التفويض كأن قال لها: (إذا جاء رمضان) مثلا فطلقي نفسك، (لغا على) قول (التمليك) لأن التعليق لا يصح تعليقه. ولو قال: ملكتك هذا العبد إذا جاء رأس الشهر، قال في الروضة: وجاز على قول التوكيل كما في توكيل الأجنبي اه. فإن قيل: تقدم في الوكالة أنه لا يصح تعليقها بشرط في الأصح، ولذا قال الشارح فليتأمل الجمع بين ما هنا وما هناك أجيب بأن أصل هذا مبني على صحة تصرف الوكيل بالوكالة الفاسدة مستندا إلى الاذن فيها فلا يشكل بما مر في الوكالة. واعلم أن ما تقدم من صور التفويض بالصريح، (و) أما بالكناية فهو كما (لو قال) لها (أبيني نفسك فقالت أبنت ونويا) أي الزوج تفويض الطلاق إليها بأبيني ونوت هي تطليق نفسها بأبنت، (وقع) الطلاق، لأن الكناية مع النية كالصريح.
(وإلا) بأن لم ينويا أو أحدهما، (فلا) يقع لأنه إن لم ينو هو فلا تفويض وإن لم تنو هي فلا تطليق إذ الطلاق لا يقع بهذا اللفظ وحده. (ولو) صرح فكنت أو عكسه كأن (قال) لها: (طلقي) نفسك، (فقالت أبنت ونوت، أو) قال (أبيني) نفسك (ونوى، فقالت: طلقت، وقع) الطلاق، لأنها أمرت بالطلاق وقد فعلته في الحالين، ولا يضر اختلاف لفظهما. وأفهم كلام المصنف أن التخالف في الكناية أو الصريح كاختاري نفسك، فقالت: ابنتها، أو طلقي نفسك، فقالت: سرحتها لا يضر من باب أولى، نعم إن قال لها: طلقي نفسك بصريح الطلاق أو بكنايته أو بالتسريح أو نحو ذلك فعدلت عن المأذون فيه إلى غيره لم تطلق لمخالفتها صريح كلامه.
تنبيه: عبر في الروضة والشرح بطلقي نفسك، وفي الثانية بأبيني نفسك، وذلك يشعر باعتبار قوله نفسك، وحذف المصنف لفظة نفسك منهما وزدتها في الشرح، فأفهم أنه لا يشترط، وفيه وجهان: أحدهما لا يقع وإن نوت نفسها، إذ ليس في كلام أحدهما ما يشعر بالفراق، وبه قال القاضي والبغوي في تهذيبه. وثانيهما: يقع إذا نوت نفسها، وبه قال البوشنجي والبغوي في تعليقه، وهذا كما قال الأذرعي هو المذهب الصحيح، وهي قضية كلام جماعة من