ولو قال: لم أنو به الطلاق لم يقبل، وحكى الخطابي فيه الاجماع. (و) يقع أيضا (بكناية) وهي ما يحتمل الطلاق وغيره، لكن (بنية) لايقاعه. فإن قيل: سيأتي أنه يشترط قصد لفظ الطلاق لمعناه، ولا يكفي قصد حروف الطلاق من غير قصده معناه، فكيف يقال إن الصريح لا يحتاج إلى نية بخلاف الكناية أجيب بأن كلا منهما يشترط فيه قصد اللفظ لمعناه حتى يخرج العجمي إذا لقن كلمة الطلاق وهو لا يعرف معناها فلا يقع طلاقه. والمراد بالنية في الكناية أن يقصد الايقاع، وليس بشرط لمن عرف معناه، وحينئذ فقول المصنف: بلا نية، أي بلا نية الايقاع، أما قصد التلفظ به فيشترط.
نعم المكره إن نوى مع الصريح الوقوع وقع وإلا فلا.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا يقع طلاق بنية من غير لفظ، وهو كذلك، ولا بتحريك لسانه بكلمة الطلاق إذا لم يرفع صوته بقدر ما يسمع نفسه مع اعتدال سمعه وعدم المانع لأن هذا ليس بكلام.
تنبيه: لو أتى بكناية من كناية الطلاق وضم إليها من الألفاظ ما يدل على المراد ك أنت بائن بينونة محرمة لا تحلي لي أبدا لم تخرج عن كونها كناية. واستشكل بما ذكروه في الوقف من أنه لو قال: تصدقت بكذا كان كناية، فلو أضاف إليه: لا يباع ولا يوهب، فالأصح صراحته. (فصريحه) جزما (الطلاق) أي ما اشتق منه كما سيأتي لاشتهاره فيه لغة وعرفا، (وكذا الفراق والسراح) بفتح السين، أي ما أشتق منهما، (على المشهور) فيهما لورودهما في القرآن بمعناه، والثاني:
أنهما كنايتان لأنهما لم يشتهرا اشتهار الطلاق ويستعملان فيه وفي غيره.
تنبيه: جملة قوله: وكذا الخ معطوف على الطلاق لا على صريحه، وإلا يلزم حصر الصريح في الطلاق مع أن من صريحة ما مر في باب الخلع من أن الخلع صريح في الأصح إن ذكر المال وكذا المفاداة. وظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر، والظاهر ما قاله الماوردي في نكاح المشرك أن كل ما كان عند المشركين صريحا في الطلاق أجري عليه حكم الصريح وإن كان كناية عندنا، وكل ما كان عندهم كناية أجري عليه حكم الكناية وإن كان صريحا عندنا، لأنا نعتبر عقودهم في شراكتهم، فكذا طلاقهم. وأمثلة المشتق من الطلاق (كطلقتك، وأنت طالق، ومطلقة) بالتشديد، ويا مطلقة، (ويا طالق) إن كان لم يكن اسمها ذلك وإلا فكناية كما جزم به المصنف وغيره، ولو حذف المفعول كأن قال: طلقت أو المبتدأ وحرف النداء كأن قال: طالق لم يقع الطلاق كما هو ظاهر كلامهم، وصرح به القفال في الأولى، (لا أنت طلاق) فليسا بصريحين (في الأصح) بل كنايتان لأن المصادر إنما تستعمل في الأعيان توسعا. والثاني: أنهما صريحان كقوله: يا طالق. ويقاس بما ذكر فارقتك وسرحتك فهما صريحان، وكذا أنت مفارقة ومسرحة ويا مفارقة ويا مسرحة وأنت فراق والفراق وسراح والسراح كنايات. ولو قال: أردت بالطلاق إطلاقها من وثاق أو بالفراق: مفارقة المنزل أو فراقا بالقلب أو بالسراح: تسريحها إلى منزل أهلها أو أردت غير هذه الألفاظ فسبق لساني إليها ولم يكن قرينة تدل على ذلك لم يقبل في الظاهر، لأنه خلاف ما يقتضيه اللفظ عرفا، ودين فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه يحتمل ما ادعاه. فإن كانت قرينة، كما لو قال ذلك وهو يحلها من وثاق قبل ظاهرا لوجود القرينة الدالة على ذلك. فإن صرح بما ذكر كأن قال: أنت طالق من وثاق أو من العمل أو سرحتك إلى كذا كان كناية إن قصد أن يأتي بهذه الزيادة قبل فراغه من الحلف وإلا فصريح، ويجري ذلك فيمن يحلف بالطلاق من ذراعه أو فرسه أو رأسه أو نحو ذلك.
ولو أتى بالتاء المثناة من فوق بدل الطاء كأن يقول: أنت تألق كانت كناية كما أفاده شيخي، قال: سواء كانت لغته كذلك أم لا، ولو قال: نساء المسلمين طوالق لم تطلق زوجته إن لم ينو طلاقها بناء على الأصح من أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه، وليس قوله: بانت مني امرأتي أو حرمت علي إقرار بالطلاق لأنه كناية فيتوقف على النية. (وترجمة) لفظ (الطلاق بالعجمية صريح على المذهب) لشهرة استعمالها في معناها عند أهلها شهرة استعمال العربية عند أهلها، ويفرق بينها وبين عدم صراحة نحو: حلال الله علي حرام عند المصنف كما سيأتي بأنها موضوعة للطلاق بخصوصه