العبادة " وأقاويلهم في ذلك كثيرة لا تحصى. ثم اعلم أن ما ذكرناه في فضل العلم إنما هو فيمن طلبه مريدا به وجه الله تعالى فمن اراده لغرض دنيوي كمال أو رياسة أو منصب أو جاه أو شهرة أو استمالة الناس إليه أو نحو ذلك فهو مذموم. قال تعالى " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب "، وقال صلى الله عليه وسلم " من تعلم علما ينتفع به في الآخرة يريد به غرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة " أي لم يجد ريحها. وقال صلى الله عليه وسلم " من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يكاثر به العلماء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار " وقال صلى الله عليه وسلم " أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه " وقال صلى الله عليه وسلم " شرار الناس شرار العلماء " وقال علي رضى الله تعالى عنه: يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علا نيتهم يجلسون حلقا يباهى بعضهم بعضا حتى أن الرجل ليغضب على جليسه ان يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى. وقال سفيان: ما ازداد عبد علما فازداد في الدنيا رغبة الا ازداد من الله بعدا. والآثار في ذلك كثيرة، فنسأل الله تعالى أن يوفقنا بفضله وان يحفظنا من الشيطان وجنده (و) إذا كان الاشتغال بالعلم بهذه المنقبة العظيمة، فيكون الاشتغال به من (أولى ما أنفقت) بالبناء للمفعول (فيه) أي تعلمه وتعليمه (نفائس الأوقات) أي الأوقات النفسية، إذ الأوقات كلها كذلك لأنه لا يمكن تعويض ما يفوت منها بلا عبادة، وأضف إليها صفتها للسجع، فهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، كقولهم: جرد قطيفة أي قطيفة مجرودة، أو من إضافة الأعم إلى الأخص كمسجد الجامع، أو ان المراد بنفائس الأوقات أزمنة الصحة والفراغ فتكون الإضافة فيه مخصصة. قال في الدقائق: يقال في الخير أنفقت، وفي الباطل ضيعت وخسرت وغرمت والتعبير بالانفاق مجاز، لأن انقضاء لأوقات لا يتوقف على بذله. لكنه لما اختار ان يوقع فيه الشئ دون غيره عبر عنه بالانفاق ونفائس جمع لنفيسة. قال الأسنوي: ولا يصح أن يكون جمعا لنفيس لما تقرر في عليم العربية، وحينئذ فيكون المصنف قد وصف الأوقات بالنفيسة ثم جمع النفيسة على النفائس، ولو عبر بما مفرده مؤنث كالساعات ونحوها لكان أظهرا قال الشارح ولا يصح عطف أولى على من أفضل للتنافي بينهما على هذا التقدير: أي لو قدر عطف أولى على من أفضل كان كونه أولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات منافيا لكونه من أفضل الطاعات لأن كونه أولى يستلزم كونه أفضل وكونه من أفضل يستلزم كونه من أولى لا كونه أولى فالإشارة بهذا التقدير إلى تقدير عطف الولي على من أفضل (وقد أكثر أصحابنا) أي اتباع الشافعي رضى الله تعالى عنه، فالصحبة هنا الاجتماع في اتباع الإمام المجتهد فيما يراه من الأحكام فهو مجاز سببه الموافقة بينهم وشدة ارتباط بعضهم ببعض كالصاحب حقيقة (رحمهم الله) تعالى دعا لهم (من التصنيف) مصدر صنف مما هو فيه عن الاخر، فالفقيه يفرد مثلا العبادات عن المعاملات ونحوها وكذلك الأبواب. قيل أول من صنف الكتب الربيع بن صبيح. وقيل سعد بن أبي عروبة. وقيل ابن جريج (من المبسوطات) في الفقه، وهي ما كثر لفظها ومعناها (والمختصرات) فيه، وهي ما قل لفظها وكثر معناها. قال الخليل: الكلام يبسط ليفهم، ويختصر ليحفظ (وأتقن) أي احكم (مختصر المحرر) أي المهذب المتقى: وهو هنا علم الكتاب (للإمام) الحبر الهمام: عبد الكريم إمام الدين (أبى القاسم) اعترض على تكنيته له بابى القاسم فإنه يحرم كما قاله الشافعي رضى الله تعالى عنه ولو لغير من اسمه محمد أو لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم. وقيل إنما يحرم على من اسمه محمد، ورجحه الإمام الرافعي وقيل: يختص ذلك بزمنه صلى الله عليه وسلم ورجحه المصنف، فذلك جائز على ما رجحاه: لكن المشهور في المذهب الأول (الرافعي) قال في الدقائق: هو منسوب إلى رافعان بلدة معروفة من بلاد قزوين، وكان إماما بارعا في العلوم والمعارف والزهد والكرامات واللطائف لم يصنف في المذهب مثل كتابه شرح ا ه. واعترضه قاضى القضاة: جلال الدين القزويني بأنه لا يعرف ببلاد قزوين بلدة يقال لها
(٩)