مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٩
العبادة " وأقاويلهم في ذلك كثيرة لا تحصى. ثم اعلم أن ما ذكرناه في فضل العلم إنما هو فيمن طلبه مريدا به وجه الله تعالى فمن اراده لغرض دنيوي كمال أو رياسة أو منصب أو جاه أو شهرة أو استمالة الناس إليه أو نحو ذلك فهو مذموم. قال تعالى " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب "، وقال صلى الله عليه وسلم " من تعلم علما ينتفع به في الآخرة يريد به غرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة " أي لم يجد ريحها. وقال صلى الله عليه وسلم " من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يكاثر به العلماء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار " وقال صلى الله عليه وسلم " أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه " وقال صلى الله عليه وسلم " شرار الناس شرار العلماء " وقال علي رضى الله تعالى عنه: يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علا نيتهم يجلسون حلقا يباهى بعضهم بعضا حتى أن الرجل ليغضب على جليسه ان يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى. وقال سفيان: ما ازداد عبد علما فازداد في الدنيا رغبة الا ازداد من الله بعدا. والآثار في ذلك كثيرة، فنسأل الله تعالى أن يوفقنا بفضله وان يحفظنا من الشيطان وجنده (و) إذا كان الاشتغال بالعلم بهذه المنقبة العظيمة، فيكون الاشتغال به من (أولى ما أنفقت) بالبناء للمفعول (فيه) أي تعلمه وتعليمه (نفائس الأوقات) أي الأوقات النفسية، إذ الأوقات كلها كذلك لأنه لا يمكن تعويض ما يفوت منها بلا عبادة، وأضف إليها صفتها للسجع، فهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، كقولهم: جرد قطيفة أي قطيفة مجرودة، أو من إضافة الأعم إلى الأخص كمسجد الجامع، أو ان المراد بنفائس الأوقات أزمنة الصحة والفراغ فتكون الإضافة فيه مخصصة. قال في الدقائق: يقال في الخير أنفقت، وفي الباطل ضيعت وخسرت وغرمت والتعبير بالانفاق مجاز، لأن انقضاء لأوقات لا يتوقف على بذله. لكنه لما اختار ان يوقع فيه الشئ دون غيره عبر عنه بالانفاق ونفائس جمع لنفيسة. قال الأسنوي: ولا يصح أن يكون جمعا لنفيس لما تقرر في عليم العربية، وحينئذ فيكون المصنف قد وصف الأوقات بالنفيسة ثم جمع النفيسة على النفائس، ولو عبر بما مفرده مؤنث كالساعات ونحوها لكان أظهرا قال الشارح ولا يصح عطف أولى على من أفضل للتنافي بينهما على هذا التقدير: أي لو قدر عطف أولى على من أفضل كان كونه أولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات منافيا لكونه من أفضل الطاعات لأن كونه أولى يستلزم كونه أفضل وكونه من أفضل يستلزم كونه من أولى لا كونه أولى فالإشارة بهذا التقدير إلى تقدير عطف الولي على من أفضل (وقد أكثر أصحابنا) أي اتباع الشافعي رضى الله تعالى عنه، فالصحبة هنا الاجتماع في اتباع الإمام المجتهد فيما يراه من الأحكام فهو مجاز سببه الموافقة بينهم وشدة ارتباط بعضهم ببعض كالصاحب حقيقة (رحمهم الله) تعالى دعا لهم (من التصنيف) مصدر صنف مما هو فيه عن الاخر، فالفقيه يفرد مثلا العبادات عن المعاملات ونحوها وكذلك الأبواب. قيل أول من صنف الكتب الربيع بن صبيح. وقيل سعد بن أبي عروبة. وقيل ابن جريج (من المبسوطات) في الفقه، وهي ما كثر لفظها ومعناها (والمختصرات) فيه، وهي ما قل لفظها وكثر معناها. قال الخليل: الكلام يبسط ليفهم، ويختصر ليحفظ (وأتقن) أي احكم (مختصر المحرر) أي المهذب المتقى: وهو هنا علم الكتاب (للإمام) الحبر الهمام: عبد الكريم إمام الدين (أبى القاسم) اعترض على تكنيته له بابى القاسم فإنه يحرم كما قاله الشافعي رضى الله تعالى عنه ولو لغير من اسمه محمد أو لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم. وقيل إنما يحرم على من اسمه محمد، ورجحه الإمام الرافعي وقيل: يختص ذلك بزمنه صلى الله عليه وسلم ورجحه المصنف، فذلك جائز على ما رجحاه: لكن المشهور في المذهب الأول (الرافعي) قال في الدقائق: هو منسوب إلى رافعان بلدة معروفة من بلاد قزوين، وكان إماما بارعا في العلوم والمعارف والزهد والكرامات واللطائف لم يصنف في المذهب مثل كتابه شرح ا ه‍. واعترضه قاضى القضاة: جلال الدين القزويني بأنه لا يعرف ببلاد قزوين بلدة يقال لها
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532