تعالى، وهو عربي عند الأكثر، وعند المحققين انه اسم الله الأعظم. وقد ذكر في القران العزيز في الفين وثلاثمائة وستين موضعا. واختار المصنف تبعا لجماعة انه الحي القيوم. قال ولذلك لم يذكر في القران الا في ثلاثة مواضع: في البقرة وآل عمران وطه. والرحمن الرحيم صفتان مشبهتان بنيتا للمبالغة من رحم بتنزيله منزلة اللازم أو بجعله لازما، ونقله إلى فعل بالضم.
والرحمة لغة: رقة في القلب تقتضي التفضل والاحسان، فالتفضل غايتها، وأسماء الله تعالى المأخوذ من نحو ذلك إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادى التي تكون انفعالات، فرحمة الله تعالى إرادة ايصال الفضل والاحسان أو نفس ايصال ذلك فهي من صفات الذات على الأول ومن صفات الفعل على الثاني، والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطع بالتخفيف وقطع بالتشديد. فإن قيل حذر أبلغ من حاذر. أجيب بان ذلك أكثري لا كلى، وبان الكلام فيما إذا كان المتلاقيان في الاشتقاق متحدي النوع في المعنى كغرث وغرثان لا كحذر وحاذر لا اختلاف وقدم الله عليهما لأنه اسم ذات وهما اسما صفة والذات مقدمة على الصفة، والرحمن على الرحيم لأنه خاص، إذ لا يقال لغير الله بخلاف الرحيم، والخاص مقدم على العام، وإنما قدم والقياس يقتضى الترقي من الأدنى إلى الاعلى كقولهم: عالم نحرير لأنه صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره، لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الزحمة غايتها وذلك لا يصدق على غيره، ولذلك رجح جماعة انه علم ولأنه لما دل على جلائل النعم والتكميل وللمحافظة على رؤوس الآي.
(فائدة) قال النسفي في تفسيره: قيل الكتب المنزلة من السماء إلى الدنيا مائة وأربعة صحف شيث ستون، وصحف إبراهيم ثلاثون، وصحف موسى قبل التوراة عشرة، والتوراة لموسى، والإنجيل لعيسى، والزبور لداود، والفرقان لمحمد. ومعاني كل الكتب مجموعة في القران، ومعاني كل القران مجموعة في الفاتحة، ومعاني الفاتحة مجموعة في البسملة ومعاني البسملة مجموعة في بائها، ومعناها: بي كان ما كان وبي يكون ما يكون، زاد بعضهم: ومعاني الباء في نقطتها.
(الحمد لله) بدا بالبسملة ثم بالحمدلة اقتداء بالكتاب العزيز، وعملا بخبر " كل أمر ذي بال - أي حال يهتم به - لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم تعالى كغيره بين الابتداءين عملا بالروايتين، وإشارة إلى أنه لا تعارض بينهما، إذ الابتداء حقيقي وإضافي فالحقيقي حصل بالبسملة، والإضافي بالحمدلة، أو ان الابتداء ليس حقيقيا بل أمر عرفي يمتد من الاخذ في التأليف إلى الشروع في المقصود فاكتب المصنفة مبدءها الخطبة بتمامها. والحمد اللفظي لغة الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التبجيل: أي التعظيم سواء أتعلق بالفضائل وهي النعم القاصرة أم بالفواضل وهي النعم المتعدية، فدخل في الثناء الحمد وغيره وخرج باللسان الثناء بغيره كالحمد النفسي، وبالجميل الثناء باللسان على غير الجميل، ان قلنا برأي ابن عبد السلام ان الثناء حقيقة في الخير والشر، وإن قلنا برأي الجمهور وهو الظاهر أنه حقيقة في الخير فقط، ففائدة ذلك تحقيق الماهية أو دفع توهم إرادة الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يجوزه كالشافعي وبالاختياري المدح فإنه يعم الاختياري وغيره، تقول: مدحت اللؤلؤة على حسنها دون حمدتها، وعلى جهة التبجيل مخرج لما كان على جهة الاستهزاء والسخرية نحو " ذق انك أنت العزيز الكريم " ومتناول للظاهر والباطن، إذ لو تجرد الثناء على الجميل عن مطابقة الاعتقاد أو خالف أفعال الجوارح لم يكن حمدا بل تهكم أو تمليح، وهذا لا يقتضى دخول الجوارح والجنان في التعريف لأنهما اعتبرا فيه شرطا لا شطرا. وعرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم على الحامد أو غيره، سواء كان ذكرا باللسان أم اعتقادا ومحبة بالجنان أم عملا وخدمة بالأركان كما قيل:
أفادتكم النعماء منى ثلاثة * ولساني والضمير المحجبا مورد اللغوي هو اللسان وحده، ومتعلقه يعم النعمة وغيرها، ومورد العرفي يعم اللسان وغيره، ومتعلقه تكون النعمة وحدها، فاللغوي أعم باعتبار المتعلق وأخص باعتبار المورد والعرفي بالعكس. والشكر لغة هو الحمد عرفا، وعرفا صرف