ويفهم منه النهي عن الضرب ونحوه بطريق الأولى. (طلبه) بعد دخول الوقت وجوبا مما توهمه فيه، لأن التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة مع الامكان، وله طلبه بوكيله الموثوق به حتى لو أرسل جماعة واحدا ثقة يطلب لهم كفاهم، ولو أذن قبل الوقت ليطلب له بعد الوقت كفى أيضا. ولو أخبره فاسق أن الماء بمكان معين لم يعتمده، وإن أخبره أنه ليس به ماء اعتمده لأن العدم هو الأصل بخلاف الوجدان، قاله الماوردي والروياني. أما طلب غيره له بغير إذنه، أو بإذنه ليطلب له قبل الوقت، أو أذن له قبل الوقت وأطلق فطلب له قبل الوقت، أو شاكا فيه لم يكف جزما، فإن طلب له في مسألة الاطلاق في الوقت ينبغي أن يكفي كنظيره في المحرم يوكل رجلا ليعقد له النكاح، ثم رأيت شيخنا نبه على ذلك. (من رحله) بأن يفتش فيه إن لم يتحقق العدم فيه، وهو منزل الشخص من حجر أو خشب أو نحو ذلك، ويطلق أيضا على ما يستصحبه الشخص من أثاث، ويجمع في الكثرة على رحال، وفي القلة على أرحل. (ورفقته) بتثليث الراء، سموا بذلك لارتفاق بعضهم ببعض، وهم الجماعة ينزلون جملة ويرحلون جملة، والمراد بهم المنسوبون إليه. ولا يجب أن يطلب من كل واحد بعينه بل يكفيه أن ينادي نداء عاما فيهم بنفسه أو مأذونه كما مر بأن يقول: من معه ماء يبيعه أو يجود به أو نحو ذلك، ويستوعبهم إذا كثروا إلا أن يضيق الوقت عن تلك الصلاة، وقيل: يستوعبهم وإن خرج الوقت، وقيل: إلا أن يضيق الوقت عن ركعة.
(ونظر حواليه) من الجهات الأربع إن لم يجده فيما ذكر إلى الحد الآتي، (إن كان بمستو) من الأرض، ويخص موضع الخضرة وإجماع الطيور بمزيد احتياط. ولا يلزمه المشي، وقيل: يمشي قدر غلوة سهم. (فإن احتاج إلى تردد) بأن كان ثم وهدة أو جبل أو نحو ذلك. (تردد) إن أمن نفسا ومالا وعضوا واختصاصا محترما وانقطاعا عن رفقة ولم يضق الوقت عن تلك الصلاة إلى حد تسمع استغاثته بأن يسمعها رفقته لو استغاث بهم مع ما هم فيه من تشاغلهم بأشغالهم وتفاوضهم في أقوالهم، وهذا هو مراد المصنف بقوله: (قدر نظره) أي في المستوى، والشرح الصغير بغلوة سهم: أي غاية رميه، وهذا يسمى حد الغوث. قال في المجموع: وليس المراد أن يدور الحد المذكور لأن ذلك أكثر ضررا عليه من إتيان الماء في الموضع البعيد، بل المراد أن يصعد جبلا أو نحوه بقربه ثم ينظر حواليه اه. ويقال حوليه بلا ألف وحوله وحواله بزيادة ألف، وهذا هو مراد من عبر بالتردد إليه، فإنه لم يأمن على شئ مما ذكر سواء أكثر المال أم قل أو ضاق وقت الصلاة بأن لم يبق منه ما يسعها لم يجب التردد للضرر وللوحشة في انقطاعه وإخراج بعض الصلاة عن وقتها، بخلاف واجد الماء لو خاف فوات الوقت لو توضأ فإنه يجب عليه الوضوء ولا يتيمم لأنه ليس بفاقد للماء. (فإن لم يجد) ماء بعد البحث المذكور، (تيمم) لحصول الفقد ولا يضر تأخير التيمم عن الطلب إذا كانا في الوقت ولم يحدث سبب يحتمل معه وجود الماء. (فلو) طلب كما مر، و (مكث) بضم الكاف وفتحها، (موضعه) ولم يتيقن العدم ولم يحدث ما يحتمل معه وجود ماء، (فالأصح وجوب الطلب لما يطرأ) مما يحوج إلى تيمم مستأنف كحدث وفريضة أخرى، لأنه قد يطلع على بئر خفيت عليه أو يجد من يدله عليه وقياسا على إعادة الاجتهاد في القبلة، ولكن يكون طلبه هذا أخف من الأول. والثاني: لا يجب، لأنه لو كان هناك ماء لظفر به بالطلب الأول، فلو تيقن العدم في موضع بالطلب ولم يحدث ما يحتمل معه وجود ماء لم يجب الطلب منه على الصحيح، فإن انتقل إلى مكان آخر أو حدث ما يحتمل معه وجود ماء كطلوع ركب وإطباق غمامة وجب الطلب قطعا.
وقوله فلو مكث موضعه مزيد على المحرر من غير تمييز. (فلو علم) مسافر بمحل (ماء) في حد القرب، وهو ما (يصله المسافر لحاجته) كاحتطاب واحتشاش مع اعتبار الوسط المعتدل بالنسبة إلى الوعورة والسهولة والصيف والشتاء، وهذا فوق حد الغوث الذي يقصده عند التوهم، قال محمد بن يحيى: لعله يقرب من نصف فرسخ. (وجب قصده) أي طلبه منه، لأنه إذا كان يسعى إليه لأشغاله الدنيوية فللعبادة أولى، هذا (إن لم يخف ضرر نفس) أو عضو (أو مال) لا يجب بذله