مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٨٣
الدبغ (في الأصح) تغليبا لمعنى الإحالة، ولحديث مسلم: إذا دبغ الإهاب فقد طهر. والثاني: يجب، تغليبا لمعنى الإزالة، ولقوله (ص) في الحديث الآخر: يطهرها أي الإهاب الماء والقرظ وحمله الأول على الندب. والخلاف مبني على أن الدباغ إحالة فلا يشترط وهو الأصح، أو إزالة فيشترط. (و) يصير (المدبوغ) والمندبغ (كثوب نجس) أي متنجس لملاقاته للأدوية النجسة أو التي تنجست به قبل طهر عينه، فيجب غسله لذلك. وإذا أوجبنا الماء في أثناء الدباغ فلم يستعمله فإنه يكون نجس العين، وعلى هذا هل يطهر بمجرد نقعه في الماء أو لا بد من استعمال الأدوية ثانيا؟ وجهان، أصحهما في زيادة الروضة: الثاني، والمراد نقعه في ماء كثير. وإذا لم نوجبه فيصلي فيه بعد غسله ويجوز بيعه وإن لم يغسله ما لم يمنع من ذلك مانع. ولا يحل أكله سواء أكان من مأكول اللحم أم من غيره لخبر الصحيحين: إنما حرم من الميتة أكلها.
فإن قيل: يرد على حصر المصنف فيما ذكره المسك واللبن والمني، فإنها كانت دما نجس العين وصارت طاهرة. أجيب بأن أصلها لا يحكم عليه بالنجاسة ما دام في الجوف وما لم يتصل بخارج، ويطهر كل نجس استحال حيوانا، كدم بيضة استحال فرخا على القول بنجاسته ولو كان دود كلب، لأن للحياة أثرا بينا في دفع النجاسة ولهذا تطرأ بزوالها، ولان الدود متولد فيه لا منه، ولو صار الزبل المختلط بالتراب على هيئة التراب لطول الزمان لم يطهر.
ثم اعلم أن النجاسة: إما مغلظة، أو مخففة، أو متوسطة، وقد ذكرها المصنف على هذا الترتيب فبدأ بأولها فقال: (وما نجس) من جامد ولو بعضا من صيد أو غيره، (بملاقاة شئ من كلب) سواء في ذلك لعابه وبوله وسائر رطوباته وأجزائه الجافة إذا لاقت رطبا. (غسل سبعا إحداهن) في غير أرض ترابية (بتراب) طهور يعم محل النجاسة، بأن يكون قدرا يكدر الماء ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل. ولا بد من مزجه بالماء إما قبل وضعهما على المحل أو بعده بأن يوضعا ولو مرتين ثم يمزجا قبل الغسل وإن كان المحل رطبا، إذ الطهور الوارد على المحل باق على طهوريته خلافا للأسنوي في اشتراط المزج قبل الوضع على المحل. والأصل في ذلك قوله (ص): وإذا ولغ الكلب في الاناء فاغسلوه سبع مرات أولاهن بالتراب رواه مسلم، وفي رواية له: وعفروه الثامنة بالتراب أي بأن يصاحب السابعة كما في رواية أبي داود: السابعة بالتراب. وفي رواية صححها الترمذي: أولاهن أو أخراهن بالتراب. وبين روايتي مسلم تعارض في محل التراب فيتساقطان في تعيين محله، ويكتفي بوجوده في واحد من السبع كما في رواية الدارقطني: إحداهن بالبطحاء فنص على اللعاب وألحق به ما سواه لأن لعابه أشرف فضلاته، وإذا ثبتت نجاسته فغيره من بول وروث وعرق ونحو ذلك أولى. وفي وجه أن غير لعابه كسائر النجاسات اقتصارا على محل النص لخروجه عن القياس. وإذا لم تزل النجاسة إلا بست غسلات مثلا حسبت واحدة كما صححه المصنف خلافا لما صححه الرافعي من أنها ست وإن قواه الأسنوي. ولو أكل لحم نحو كلب لم يجب تسبيع محل الاستنجاء كما نقله الروياني عن النص.
فرع: حمام غسل داخله كلب ولم يعهد تطهيره واستمر الناس على دخوله والاغتسال فيه مدة طويلة وانتشرت النجاسة إلى حصر الحمام وفوطه ونحو ذلك، فما تيقن إصابة شئ له من ذلك فنجس وإلا فطاهر، لأنا لا ننجس بالشك. ويطهر الحمام بمرور الماء عليه سبع مرات، إحداهن بطفل مما يغتسل به فيه، لأن الطفل يحصل به التتريب كما صرح به جماعة.
ولو مضت مدة يحتمل أنه مر عليه ذلك ولو بواسطة الطير الذي في نعال داخليه لم يحكم بنجاسته كما في الهرة إذا أكلت نجاسة ثم غابت غيبة يحتمل فيها طهارة فمها. (وإلا ظهر تعين التراب) ولو غبار رمل وإن أفسد الثوب، جمعا بين نوعي الطهور فلا يكفي غيره كأشنان وصابون. والثاني: لا يتعين ويقوم ما ذكر ونحوه مقامه، وجرى عليه صاحب التنبيه.
والثالث: يقوم مقامه عند فقده للضرورة ولا يقوم عند وجوده، وقيل: يقوم مقامه فيما يفسده التراب كالثياب دون ما لا يفسده.
(و) الأظهر (أن الخنزير ككلب) وكذا ما تولد منهما أو من أحدهما مع حيوان طاهر، لأن الخنزير أسوأ حالا من الكلب كما مر، وللمتولد حكم أصله لأنه يتبع أخسهما في النجاسة كما سلف. والثاني: يكفي لذلك الغسل مرة من غير
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532