تراب كغيره من النجاسات، لأن الوارد في الكلب وما ذكر لا يسمى كلبا. ويسن جعل التراب في غير الأخيرة، والأولى أولى لعدم احتياجه بعد ذلك إلى تتريب ما يترشش من جميع الغسلات.
فروع: لو تعدد نحو الكلب وولغ في الاناء أو ولغ فيه واحد مرارا كفى له سبع مرات إحداها بالتراب، وقيل:
لكل واحد سبع، وقيل: إن تكرر من واحد كفى سبع وإلا فلكل سبع. ولو لاقى محل التنجس مما ذكر نجسا آخر كفى له ذلك، ولو انغمس الاناء المتنجس منه في ماء كثير راكد حسب مرة وإن مكث فإن حرك فيه سبع مرات ولو لم يظهر منه شئ بأن حرك داخل الماء حسبت سبعا، أو في جار وجرى على المحل سبع جريات حسبت سبعا. ولو كان في إناء ماء كثير فولغ فيه نحو الكلب ولم ينقص بولوغه عن قلتين لم ينجس الماء ولا الاناء إن لم يكن أصاب جرمه الذي لم يصله الماء مع رطوبة أحدهما، قاله في المجموع: وقضيته أنه لو أصاب ما وصله الماء مما هو فيه لم ينجس وتكون كثرة الماء مانعة من تنجسه، وبه صرح الإمام وغيره، وهو مقيد لمفهوم قول التحقيق لم ينجس الاناء إن لم يصب جرمه، ولو ولغ في إناء فيه ماء قليل ثم كوثر حتى بلغ قلتين طهر الماء دون الاناء كما نقله البغوي في تهذيبه عن ابن الحداد، وأقره وجزم به جمع، وصحح الإمام طهارته، لأنه صار إلى حالة لو كان عليها حالة الولوغ لم ينجس، وتبعه ابن عبد السلام والدميري. والأول أوجه. وهل تجب إراقة الماء الذي تنجس بولوغه أو تندب؟ فيه وجهان، أصحهما الثاني، وحديث الامر بإراقته محمول على من أراد استعمال الاناء أو أدخل رأسه في إناء فيه ماء قليل، فإن خرج فمه جافا لم يحكم بنجاسته أو رطبا فكذا في أصح الوجهين عملا بالأصل، ورطوبته يحتمل أنها من لعابه. (ولا يكفي تراب) مستعمل في حدث أو خبث ولا (نجس) في الأصح كما لا يكفي ذلك في التيمم، ولان النجس لا يزيل نجاسة. والثاني: يكفي، كالدباغ بالشئ النجس، والمستعمل أولى منه. (ولا) يكفي (ممزوج بمائع) كخل (في الأصح) لتنصيص الحديث على أنه يغسله سبعا، والمراد من الماء، بدليل أنه لا خلاف أنه لا يجزئ الخل في غير مرة التراب. نعم لو مزج الماء بالتراب بعد مزجه بغيره ولم يتغير الماء بذلك تغيرا فاحشا كفى، والثاني: يكفي التراب الممزوج بالمائع، لأن المقصود من تلك الغسلة إنما هو التراب.
ولا يجب تتريب أرض ترابية إذ لا معنى لتتريب التراب فيكفي تسبيعها بماء وحده، ولو أصاب ثوبا مثلا منها شئ قبل تمام السبع هل يجب تتريبه لأنه إنما لم يجب في الأرض للمعنى المتقدم، أو لا يجب قياسا على ما لو أصابه من غير الأرض بعد تتريبه؟ اختلف فيه إفتاء شيخي، فأفتى أولا بالثاني وثانيا بالأول واستمر عليه. وما أفتى به أولا هو الظاهر وإن كنت مشيت على ما أفتى به ثانيا في شرح التنبيه، لأن حكم المتنقل حكم المتنقل عنه. ثم شرع في القسم الثاني من النجاسة وهي المخففة فقال: (وما تنجس) من جامد (ببول صبي لم يطعم) بفتح الياء: أي يتناول قبل مضي حولين، (غير لبن) للتغذي، (نضح) بضاد معجمة وحاء مهملة، وقيل معجمة أيضا، ولو كان اللبن من غير آدمي أو من غير طاهر خلافا للأذرعي في الأولى من التخصيص بلبن المرضع، وللزركشي في الثانية من أنه يغسل من النجس والمتنجس قياسا منه على لبن الإنفحة، وقد تقدم ما فيه بأن يرش عليه ماء يعمه ويغلبه بلا سيلان، بخلاف الصبية والخنثى لا بد في بولهما من الغسل على الأصل ويتحقق بالسيلان، وذلك لخبر الشيخين عن أم قيس: أنها جاءت بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله (ص) في حجره فبال عليه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله، ولخبر الترمذي وحسنه: يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام وفرق بينهما بأن الائتلاف بحمل الصبي أكثر فخفف في بوله، وبأن بوله أرق من بولها فلا يلصق بالمحل لصوق بولها به وألحق بها الخنثى، وبأن بول الصبي من ماء وطين وبولها من لحم ودم، لأن حواء خلقت من ضلع آدم القصير. رواه ابن ماجة في سننه عن الشافعي. وقيل: لما كان بلوغ الغلام بمائع طاهر وهو المني، وبلوغها بمائع كذلك وبنجس وهو الحيض، جاز أن يفترقا في حكم طهارة البول، قاله الماوردي. ونظر بعضهم في الفرق الثالث بأن المخلوق من تراب هو آدم ومن ضلع هي حواء، وأما من بعدهما فالكل مخلوق من نطفة ومتغذ بدم الحيض فكيف يقال يرجع إلى الأصل وخرج بقيد التغذي تحنيكه بنحو تمر وتناوله نحو سفوف لاصلاح، فلا