والأفضل أن يقصد مصلى النبي (ص) بأن يمشي بعد دخوله الباب حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع، وأن يدعو في جوانبه، ثم يدعو عند الملتزم، وهو بضم الميم وفتح الزاي، سمي به لأنهم يلتزمونه بالدعاء، ويسمى المدعى والمتعوذ. قال في المجموع: قال القاضي أبو الطيب: قال الشافعي: يسن لمن فرغ من طواف الوداع أن يأتي الملتزم فيلصق بدنه وصدره بحائط البيت ويبسط يديه على الجدار فيجعل اليمنى مما يلي الباب واليسرى مما يلي الحجر الأسود ويدعو بما أحب من المأثور وغيره، لكن المأثور أفضل. ومن المأثور ما في التنبيه وهو: اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى صيرتني في بلادك، وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فمن الآن قبل تنأى عن بيتك داري ويبعد عنه مزاري، هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا بيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم فأصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني العمل بطاعتك ما أبقيتني وما زاد فحسن، وقد زيد فيه: واجمع لي خيري الدنيا والآخرة إنك قادر على ذلك ولفظ فمن الآن يجوز فيه ضم الميم وتشديد النون وهو الأجود، وكسر الميم وتخفيف النون مع فتحها وكسرها، قاله في المجموع. ثم يصلي على النبي (ص). فإن كانت حائضا أو نفساء استحب أن تأتي بجميع ذلك على باب المسجد وتمضي. ويسن الاكثار من الاعتمار والطواف تطوعا، والصلاة أفضل من الطواف، وأن يزور المواضع المشهورة بالفضل بمكة، وهي ثمانية عشر، منها: بيت المولد، وبيت خديجة، ومسجد دار الأرقم، والغار الذي في ثور والذي في حراء، وقد أوضحها المصنف في مناسكه. وأن يكثر النظر إلى البيت إيمانا واحتسابا، لما روى الأزرقي عن ابن المسيب قال: من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه. وروى البيهقي في شعب الايمان: أن لله تعالى في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة تنزل على هذا البيت: ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين وأن يكثر من الصدقة وأنواع البر والقربات، فإن الحسنة هناك بمائة ألف حسنة.
قال الحسن البصري رضي الله تعالى عنه: الدعاء يستجاب في خمسة عشر موضعا بمكة: في الطواف، والملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي السعي، وخلف المقام، وفي عرفات ومزدلفة ومنى، وعند الجمرات الثلاث. ( ويسن شرب ماء زمزم) لأنها مباركة طعام طعم وشفاء سقم. قال في المجموع: رواه مسلم، وقيل: شفاء سقم لم يروها مسلم، وإنما رواها أبو داود الطيالسي، نبه على ذلك الأسنوي. ويسن أن يشربه لمطلوبه في الدنيا والآخرة لحديث: ماء زمزم لما شرب له رواه البيهقي وغيره، وصححه المنذري، وضعفه المصنف، وحسنه ابن حجر لوروده من طرق عن جابر.
ويسن استقبال القبلة عند شربه، وأن يتضلع منه لما روى البيهقي من طرق أن النبي (ص) قال: آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم. وقد شربه جماعة من العلماء فنالوا مطلوبهم. ويسن أن يقول عند شربه: اللهم إنه قد بلغني عن نبيك محمد (ص) أنه قال: ماء زمزم لما شرب له وأنا أشربه لكذا، ويذكر ما يريد دينا ودنيا:
اللهم فافعل، ثم يسمي الله تعالى، ويشرب ويتنفس ثلاثا. وكان ابن عباس إذا شربه يقول: اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء، وقال الحاكم صحيح الاسناد. ويسن الدخول إلى البئر والنظر فيها، وأن ينزع منها بالدلو الذي عليها ويشرب. قال الماوردي: ويسن أن ينضح منه على رأسه ووجهه وصدره، وأن يتزود من مائها ويستصحب منه ما أمكنه، ففي البيهقي أن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تحمله وتخبر أن رسول الله (ص) كان يحمله في القرب، وكان يصبه على المرضى ويسقيهم منه. ويسن الشرب من نبيذ سقاية العباس ما لم يسكر، والاكثار من دخول الحجر والصلاة فيه والدعاء، فإن أكثره من البيت كما مر. ويسن أن يختم القرآن بمكة، وأن ينصرف تلقاء وجهه مستدبر البيت كما صححه المصنف في مناسكه وصوبه في مجموعه، وقيل: يخرج وهو ينظر إليه إلى أن يغيب عنه مبالغة في تعظيمه، وجرى على ذلك صاحب التنبيه، وقيل: يلتفت إليه بوجهه ما أمكنه