بينه وبين مكة أو الحرم دون مسافة القصر إذا عن له النسك، ثم فأته وإن ربح ميقاتا بتمتعه لكنه ليس ميقاتا عاما لأهله ولمن مر به. ولا يشكل أيضا بأنهم جعلوا ما دون مسافة القصر كالموضع الواحد في هذا ولم يجعلوه في مسألة الإساءة، وهو إذا كان مسكنه دون مسافة القصر من الحرم وجاوزه وأحرم كالموضع الواحد حتى لا يلزمه الدم، كالمكي إذا أحرم من سائر بقاع مكة بل ألزموه الدم وجعلوه مسيئا كالآفاقي، لأن ما خرج عن مكة مما ذكر تابع لها والتابع لا يعطى حكم المتبوع من كل وجه، ولأنهم عملوا بمقتضى الدليل في الموضعين، وهنا لا يلزمه دم لعدم إساءته بعدم عوده لأنه من الحاضرين بمقتضى الآية، وهناك يلزمه دم لاساءته بمجاوزته ما عين له بقوله في الخبر: ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأه حتى أهل مكة من مكة. على أن المسكن المذكور كالقرية بمنزلة مكة في جواز الاحرام من سائر بقاعه وعدم جواز مجاوزته بلا إحرام لمريد النسك، فإن كان للمتمتع مسكنان أحدهما بعيد والآخر قريب اعتبر في كونه من الحاضرين أو غيرهم كثرة إقامته بأحدهما، فإن استوت إقامته بهما اعتبر بوجود الأهل والمال، فإن كان أهله بأحدهما وماله بالآخر اعتبر بمكان الأهل، ذكره المحب الطبري، قال: والمراد بالأهل الزوجة والأولاد الذين تحت حجره دون الآباء والاخوة.
فإن استويا في ذلك اعتبر بعزم الرجوع إلى أحدهما للإقامة فيه، فإن لم يكن له عزم اعتبر بإنشاء ما خرج منه، وللغريب المستوطن في الحرم أو فيما دون مسافة القصر منه حكم أهل البلد الذي هو فيه. ويلزم الدم آفاقيا تمتع ناويا الاستيطان بمكة ولو بعد العمرة، لأن الاستيطان لا يحصل بمجرد النية. (وأن تقع عمرته في أشهر الحج من سنته) أي الحج، فلو وقعت قبل أشهره وأتمها ولو في أشهره ثم حج لم يلزمه الدم، لأنه لما يجمع بينهما في وقت الحج فأشبه المفرد. وأن يحج من عامه، فمن لم يحج من عامه الذي اعتمر فيه لا دم عليه لم روى البيهقي بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله (ص) يعتمرون في أشهر الحج فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا. (وأن لا يعود لاحرام الحج إلى الميقات) الذي أحرم منه بالعمرة أو ميقات آخر ولو أقرب إلى مكة من ميقات عمرته أو إلى مثل مسافة ميقاتها، فإذا عاد إليه وأحرم منه بالحج لم يلزمه الدم، لأن المقتضي لايجاب الدم، وهو ربح الميقات، قد زال بعوده إليه. ومثل ذلك ما ذكر لأن المقصود قطع تلك المسافة محرما.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا يشترط لوجوب الدم نية التمتع ولا وقوع النسكين عن شخص واحد ولا بقاؤه حيا، وهو كذلك. ولو خرج المتمتع للاحرام بالحج من مكة وأحرم خارجها ولم يعد إلى الميقات ولا إلى مثل مسافته ولا إلى مكة لزمه دمه أيضا، للإساءة الحاصلة بخروجه من مكة بلا إحرام مع عدم عوده.
واعلم: أن هذه الشروط المذكورة معتبرة لوجوب الدم. وهل تعتبر في تسميته تمتعا؟ وجهان، أحدهما: نعم، فلو فات شرط كان مفردا. وأشهرهما: لا تعتبر، ولهذا قال الأصحاب: يصح التمتع والقران من المكي خلافا لأبي حنيفة. (ووقت وجوب الدم) عليه (إحرامه بالحج) لأنه حينئذ يصير متمتعا بالعمرة إلى الحج. وقد يفهم أنه لا يجوز تقديمه عليه، وليس مرادا، بل الأصح جواز ذبحه إذا فرغ من العمرة. وقيل: يجوز إذا أحرم بها ولا يتأقت ذبحه بوقت كسائر دماء الجبرانات، (و) لكن (الأفضل ذبحه يوم النحر) للاتباع وخروجا من خلاف الأئمة الثلاثة، فإنهم قالوا: لا يجوز في غيره، ولم ينقل عن النبي (ص) ولا عن أحد ممن كان معه أنه ذبح قبله. (فإن عجز عنه) حسا بأن فقده أو ثمنه، أو شرعا بأن وجده بأكثر من ثمن مثله، أو كان محتاجا إليه أو إلى ثمنه، أو غاب عنه ماله أو نحو ذلك، (في موضعه) وهو الحرم، سواء أقدر عليه ببلده أم غيره أم لا بخلاف كفارة اليمين، لأن الهدي يختص ذبحه بالحرم والكفارة لا تختص. (صام) بدله وجوبا (عشرة أيام: ثلاثة في الحج) لقوله تعالى: * (فمن لم يجد) * أي الهدي * (فصيام ثلاثة أيام في الحج) * أي بعد الاحرام بالحج، فلا يجوز تقديمها على الاحرام بخلاف الدم، لأن الصوم عبادة بدنية فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة، والدم عبادة مالية فأشبه الزكاة.