مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٥١٦
بينه وبين مكة أو الحرم دون مسافة القصر إذا عن له النسك، ثم فأته وإن ربح ميقاتا بتمتعه لكنه ليس ميقاتا عاما لأهله ولمن مر به. ولا يشكل أيضا بأنهم جعلوا ما دون مسافة القصر كالموضع الواحد في هذا ولم يجعلوه في مسألة الإساءة، وهو إذا كان مسكنه دون مسافة القصر من الحرم وجاوزه وأحرم كالموضع الواحد حتى لا يلزمه الدم، كالمكي إذا أحرم من سائر بقاع مكة بل ألزموه الدم وجعلوه مسيئا كالآفاقي، لأن ما خرج عن مكة مما ذكر تابع لها والتابع لا يعطى حكم المتبوع من كل وجه، ولأنهم عملوا بمقتضى الدليل في الموضعين، وهنا لا يلزمه دم لعدم إساءته بعدم عوده لأنه من الحاضرين بمقتضى الآية، وهناك يلزمه دم لاساءته بمجاوزته ما عين له بقوله في الخبر: ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأه حتى أهل مكة من مكة. على أن المسكن المذكور كالقرية بمنزلة مكة في جواز الاحرام من سائر بقاعه وعدم جواز مجاوزته بلا إحرام لمريد النسك، فإن كان للمتمتع مسكنان أحدهما بعيد والآخر قريب اعتبر في كونه من الحاضرين أو غيرهم كثرة إقامته بأحدهما، فإن استوت إقامته بهما اعتبر بوجود الأهل والمال، فإن كان أهله بأحدهما وماله بالآخر اعتبر بمكان الأهل، ذكره المحب الطبري، قال: والمراد بالأهل الزوجة والأولاد الذين تحت حجره دون الآباء والاخوة.
فإن استويا في ذلك اعتبر بعزم الرجوع إلى أحدهما للإقامة فيه، فإن لم يكن له عزم اعتبر بإنشاء ما خرج منه، وللغريب المستوطن في الحرم أو فيما دون مسافة القصر منه حكم أهل البلد الذي هو فيه. ويلزم الدم آفاقيا تمتع ناويا الاستيطان بمكة ولو بعد العمرة، لأن الاستيطان لا يحصل بمجرد النية. (وأن تقع عمرته في أشهر الحج من سنته) أي الحج، فلو وقعت قبل أشهره وأتمها ولو في أشهره ثم حج لم يلزمه الدم، لأنه لما يجمع بينهما في وقت الحج فأشبه المفرد. وأن يحج من عامه، فمن لم يحج من عامه الذي اعتمر فيه لا دم عليه لم روى البيهقي بإسناد حسن عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله (ص) يعتمرون في أشهر الحج فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا. (وأن لا يعود لاحرام الحج إلى الميقات) الذي أحرم منه بالعمرة أو ميقات آخر ولو أقرب إلى مكة من ميقات عمرته أو إلى مثل مسافة ميقاتها، فإذا عاد إليه وأحرم منه بالحج لم يلزمه الدم، لأن المقتضي لايجاب الدم، وهو ربح الميقات، قد زال بعوده إليه. ومثل ذلك ما ذكر لأن المقصود قطع تلك المسافة محرما.
تنبيه: أفهم كلامه أنه لا يشترط لوجوب الدم نية التمتع ولا وقوع النسكين عن شخص واحد ولا بقاؤه حيا، وهو كذلك. ولو خرج المتمتع للاحرام بالحج من مكة وأحرم خارجها ولم يعد إلى الميقات ولا إلى مثل مسافته ولا إلى مكة لزمه دمه أيضا، للإساءة الحاصلة بخروجه من مكة بلا إحرام مع عدم عوده.
واعلم: أن هذه الشروط المذكورة معتبرة لوجوب الدم. وهل تعتبر في تسميته تمتعا؟ وجهان، أحدهما: نعم، فلو فات شرط كان مفردا. وأشهرهما: لا تعتبر، ولهذا قال الأصحاب: يصح التمتع والقران من المكي خلافا لأبي حنيفة. (ووقت وجوب الدم) عليه (إحرامه بالحج) لأنه حينئذ يصير متمتعا بالعمرة إلى الحج. وقد يفهم أنه لا يجوز تقديمه عليه، وليس مرادا، بل الأصح جواز ذبحه إذا فرغ من العمرة. وقيل: يجوز إذا أحرم بها ولا يتأقت ذبحه بوقت كسائر دماء الجبرانات، (و) لكن (الأفضل ذبحه يوم النحر) للاتباع وخروجا من خلاف الأئمة الثلاثة، فإنهم قالوا: لا يجوز في غيره، ولم ينقل عن النبي (ص) ولا عن أحد ممن كان معه أنه ذبح قبله. (فإن عجز عنه) حسا بأن فقده أو ثمنه، أو شرعا بأن وجده بأكثر من ثمن مثله، أو كان محتاجا إليه أو إلى ثمنه، أو غاب عنه ماله أو نحو ذلك، (في موضعه) وهو الحرم، سواء أقدر عليه ببلده أم غيره أم لا بخلاف كفارة اليمين، لأن الهدي يختص ذبحه بالحرم والكفارة لا تختص. (صام) بدله وجوبا (عشرة أيام: ثلاثة في الحج) لقوله تعالى: * (فمن لم يجد) * أي الهدي * (فصيام ثلاثة أيام في الحج) * أي بعد الاحرام بالحج، فلا يجوز تقديمها على الاحرام بخلاف الدم، لأن الصوم عبادة بدنية فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة، والدم عبادة مالية فأشبه الزكاة.
(٥١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 521 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532