مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٥١٥
ومنشأ الخلاف اختلاف الرواة في إحرامه (ص)، روى الشيخان عن جابر وعائشة رضي الله تعالى عنهما: أنه (ص) أفرد الحج ورويا عن ابن عمر: أنه أحرم متمتعا. ورجح الأول بأن رواته أكثر، وبأن جابرا منهم أقدم صحبة وأشد عناية يضبط المناسك، وبالاجماع على أنه لا كراهة فيه، وبأن التمتع والقران يجبر فيهما الدم، بخلاف الافراد، والجبر دليل النقصان. قال في المجموع: والصواب الذي نعتقده أنه (ص) أحرم بحج ثم أدخل عليه العمرة، وخص بجوازه في تلك السنة للحاجة، وأمر به في قوله: لبيك عمرة في حجة وبهذا يسهل الجمع بين الروايات، فعمدة رواة الافراد وهو الأكثر أول الاحرام، وعمدة رواة القران آخره، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع، وقد انتفع بالاكتفاء بفعل واحد، ويؤيد ذلك أنه (ص) لم يعتمر في تلك السنة عمرة مفردة، ولو جعلت حجته مفردة لكان غير معتمر في تلك السنة، ولم يقل أحد أن الحج وحده أفضل من القران، فانتظمت الرواة في حجه (ص) في نفسه. وأما الصحابة رضي الله تعالى عنهم فكانوا ثلاثة أقسام: قسم أحرموا بحج وعمرة أو بحج ومعهم هدي. وقسم بعمرة ففرغوا منها ثم أحرموا بحج. وقسم بحج ولا هدي معهم، فأمرهم (ص) أن يقلبوه عمرة، وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة، وهو خاص بالصحابة رضي الله تعالى عنهم أمرهم به (ص) لبيان مخالفة ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واعتقادهم أن إيقاعها فيه من أفجر الفجور، كما أنه (ص) أدخل العمرة على الحج كذلك، فانتظمت الروايات في إحرامهم أيضا. فمن روى أنهم كانوا قارنين أو متمتعين أو مفردين أراد بعضهم، وهم الذين علم ذلك منهم، وظن أن البقية مثلهم. وأما تفضيل المتمتع على القارن فلان أفعال النسكين فيه أكمل كما مر. وقولنا: وبعده التمتع ثم القران، أي وهو أفضل من الحج فقط ثم الحج فقط، أفضل من العمرة فقط. فإن قيل: ينبغي أنه لو قرن واعتمر بعد الحج كان أفضل من الافراد لاشتماله على المقصود مع زيادة عمرة أخرى، ونظير ما قالوه في التيمم أنه إذا رجا الماء فصلى أولا بالتيمم على قصد إعادتها بالوضوء فإنه أفضل لا محالة. وهكذا إذا اعتمر المتمتع بعد الحج أيضا، خصوصا إذا كان مكيا وعاد لاحرام الحج إلى الميقات، فإن فوات هذه الشروط لا تخرجه عن كونه متمتعا وإنما سقط الدم. أجيب بأن هذا التفضيل الذي ذكره الأصحاب إنما هو عند إتيانه بنسكين فقط، وفي هاتين الصورتين قد أتى بنسك ثالث، فليست هي الصورة المتكلم عليها. فإن قيل: قد تقدم أن الجبر دليل النقصان، ولا شك أن فيما ذكر وجوب الدم. أجيب بأن النسك الثالث جبر ذلك النقص، وهذا نظير ما قالوه في إفراد صوم يوم الجمعة، فإنهم عللوا الكراهة بضعفه عما في ذلك اليوم من وظائف العبادات، وقالوا: لو صام معه غيره ذلك الكراهة، لأن صوم ذلك اليوم يجبر ما يفوته. (وعلى المتمتع دم) لقوله تعالى:
* (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) * والمعنى في إيجاب الدم كونه ربح ميقاتا، فإنه لو كان قد أحرم بالحج أولا من ميقات بلده لكان يحتاج بعد فراغه من الحج إلى أن يخرج إلى أدنى الحل فيحرم بالعمرة. وإذا تمتع استغنى عن الخروج لأنه يحرم بالحج من جوف مكة. والواجب شاة تجزئ في الأضحية ويقوم مقامها سبع بدنة أو سبع بقرة، وكذا جميع الدماء الواجبة في الحج الاجزاء الصيد، وسيأتي بسط ذلك إن شاء الله تعالى. (بشرط أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام) لقوله تعالى: * (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) *. قوله تعالى: * (ذلك) * أي ما ذكر من الهدي والصوم عند فقده، وقوله: * (لمن) * معناه على من. (وحاضروه من) مساكنهم (دون مرحلتين من مكة) لأن المسجد الحرام المذكور في الآية ليس المراد به حقيقته بالاتفاق، بل الحرم عند بعضهم ومكة عند آخرين، وحمله على مكة أقل تجاوزا من حمله على جميع الحرم. (قلت: الأصح من الحرم، والله أعلم) لأن الماوردي قال: إن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فهو الحرم إلا قوله تعالى: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * فهو نفس الكعبة، فإلحاق هذا بالأعم الأغلب أولى، والقريب من الشئ يقال إنه حاضره، قال تعالى: * (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر) * أي قريبة منه، والمعنى في ذلك أنهم لم يربحوا ميقاتا، أي عاما لأهله ولمن مر به، فلا يشكل من
(٥١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532