كالمتحزن على فراقه، وجرى على ذلك ابن المقري. ويقول عند خروجه من مكة: الله أكبر ثلاثا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، آيبون عابدون ساجدون لربنا حامدون وصدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. (و) تسن (زيارة قبر رسول الله (ص)) لقوله (ص): من زار قبري وجبت له شفاعتي، رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ومفهومه أنها جائزة لغير زائره. ولقوله (ص): من جاءني زائرا لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقا على الله تعالى أن أكون له شفيعا يوم القيامة رواه ابن السكن في سننه الصحاح المأثورة. وروى البخاري: من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكا يبلغني وكفي أمر دنياه وآخرته وكنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة. فزيارة قبره (ص) من أفضل القربات ولو لغير حاج ومعتمر، فقوله: (بعد فراغ الحج) كما قاله الشافعي والأصحاب ليس المراد اختصاص طلب الزيارة بهذه الحالة فإنها مندوبة مطلقا كما مر بعد حج أو عمرة قبلهما أولا مع نسك، بل المراد تأكد الزيارة فيها لامرين: أحدهما أن الغالب على الحجيج الورود من آفاق بعيدة، فإذا قربوا من المدينة يقبح تركهم الزيارة، والثاني: لحديث: من حج ولم يزرني فقد جفاني رواه ابن عدي في الكامل وغيره، وهذا يدل على أنه يتأكد للحاج أكثر من غيره. وحكم المعتمر حكم الحاج في تأكد ذلك وإن لم تشمله عبارة المصنف. وفي الحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا فتسن زيارة بيت المقدس وزيارة الخليل (ص)، ولا تعلق لهما بالحج. ويسن لمن قصد المدينة الشريفة لزيارة قبره (ص) أن يكثر في طريقه من الصلاة والسلام عليه (ص)، ويزيد فيهما إذا أبصر أشجارها مثلا، ويسأل الله تعالى أن ينفعه بهذه الزيارة ويتقبلها منه، وأن يغتسل قبل دخوله كما تقدم، ويلبس أنظف وأحسن ثيابه، فإذا دخل المسجد قصد الروضة وهي ما بين القبر والمنبر وصلى تحية المسجد بجنب المنبر وشكر الله تعالى بعد فراغهما على هذه النعمة. ثم يأتي القبر الشريف فيستقبل رأسه، ويستدبر القبلة ويبعد عنه نحو أربعة أذرع، ويقف ناظرا إلى أسفل ما يستقبل في مقام الهيبة والاجلال فارغ القلب من علائق الدنيا، ويسلم عليه (ص) لخبر: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام رواه أبو داود بإسناد صحيح. وأقل السلام عليه: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، ولا يرفع صوته تأدبا معه (ص) كأنه في حياته. ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه فإن رأسه عند منكب رسول الله (ص)، ثم يتأخر قدر ذراع آخر فيسلم على عمر رضي الله تعالى عنه، لما روى البيهقي أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان إذا قدم من سفره دخل المسجد ثم أتى القبر الشريف، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجهه (ص) ويتوسل به في حق نفسه. ويستشفع به إلى ربه لما روى الحاكم عن النبي (ص) أنه قال: لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد (ص) إلا ما غفرت لي فقال الله تعالى: وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت في قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعرفت أنك لم تضف إلى نفسك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله تعالى: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، إذ سألتني به فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك، قال الحاكم: هذا صحيح الاسناد. ومن أحسن ما يقوله الزائر بعد ذلك:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والاكم روحي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم أنت الحبيب الذي ترجى شفاعته يوم الحساب إذا ما زلت القدم ثم يستقبل القبلة ويدعو لنفسه ولمن شاء من المسلمين. ويسن أن يأتي سائر المشاهد بالمدينة، وهي نحو ثلاثين