المنصوص في الام والصحيح من جهة المذهب، أي ولا يلزم من البناء الاتحاد في الترجيح. ومحل القولين حيث لا عذر، أما المعذور بما سيأتي في مبيت منى فلا دم عليه جزما. ومن المعذورين من جاء عرفة ليلا فاشتغل بالوقوف عنه، ومن أفاض من عرفة إلى مكة وطاف الركن وفاته. قال الأذرعي: وينبغي حمله على من لم يمكنه الدفع إلى المزدلفة، أي بلا مشقة، فإن أمكنه وجب جمعا بين الواجبين، وهذا ظاهر. ومنهم ما لو خافت المرأة طروء الحيض أو النفاس فبادرت إلى مكة بالطواف. (ويسن تقديم النساء والضعفة بعد نصف الليل إلى منى) ليرموا جمرة العقبة قبل زحمة الناس، ولما مر في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أنا ممن قدم النبي (ص) ليلة المزدلفة في ضعفة أهله (ويبقى غيرهم حتى يصلوا الصبح) بمزدلفة (مغسلين) للاتباع، رواه الشيخان. وليس التغليس بالصبح خاصا بمزدلفة بل هو مستحب كل يوم. وكأنه أراد أنه في هذا اليوم أشد استحبابا كما عبر به في الروضة وأصلها ليتسع الوقت لما بين أيديهم من أعمال يوم النحر. وينبغي الحرص على صلاة الصبح هناك للخروج من الخلاف، فقد قال ابن حزم:
فرض على الرجال أن يصلوا الصبح مع الامام الذي يقيم الحج بمزدلفة، قال: ومن لم يفعل ذلك فلا حج له. ( ثم يدفعون) بفتح أوله بخط المصنف، (إلى منى) وشعارهم مع من تقدم من النساء والضعفة التلبية والتكبير تأسيا به (ص)، رواه الشيخان. (ويأخذون) معطوف على يبيتون ليعم الضعفة وغيرهم، بخلاف ما لو عطف على يدفعون فإنه يقصر الاستحباب على غير الضعفة والنساء. (من مزدلفة) ندبا، (حصى الرمي) لما روى النسائي والبيهقي بإسناد صحيح عن الفضل بن العباس أن رسول الله (ص) قال له غداة يوم النحر: التقط لي حصى قال: فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف. ولان بها جبلا في أحجاره رخاوة، ولان السنة أنه إذا أتى إلى منى لا يعرج على غير الرمي، فسن له أن يأخذ الحصى من مزدلفة حتى لا يشغله عنه.
تنبيه: قضية كلام المصنف أخذ جميع ما يرمى به في الحج وهو سبعون حصاة، وهو وجه جزم به في التنبيه وأقره المصنف في التصحيح، وجرى عليه في المناسك الكبرى، لكن الأصح استحباب الاخذ ليوم النحر خاصة فيأخذ كل واحد سبعا. قال في المجموع: والاحتياط أن يزيد فربما سقط منه شئ ويكون الاخذ ليلا كما قاله الجمهور لفراغهم فيه، وإن قال البغوي نهارا بعد صلاة الصبح ورجحه الأسنوي. ولو أخذ الحصى من غير مزدلفة، جاز كوادي محسر أو غيره.
وسكت الجمهور عن موضع أخذ حصى الجمار لأيام التشريق إذا قلنا بالأصح أنها لا تؤخذ من مزدلفة، وقال ابن كج:
تؤخذ من بطن محسر، قاله الأذرعي، وقال السبكي: لا تؤخذ لأيام التشريق إلا من منى، نص عليه في الاملاء اه. والظاهر أن السنة تحصل بالأخذ من كل منهما. ويكره أخذ حصى الجمار من حل لعدوله عن الحرم المحترم، ومن مسجد كما ذكره لأنها فرشه، ومن حش بفتح المهملة أشهر من ضمها، وهو المرحاض لنجاسته، وكذا من كل موضع نجس كما نص عليه في الام، ومما رمى به لما روي أن المقبول يرفع والمردود يترك ولولا ذلك لسد ما بين الجبلين، فإن رمى بشئ من ذلك أجزأه. قال في المجموع: فإن قيل لم جاز الرمي بحجر رمى به دون الوضوء بماء توضأ به؟ قلنا: فرق القاضي أبو الطيب وغيره بأن الوضوء بالماء إتلاف له كالعتق فلا يتوضأ به مرتين كما لا يعتق العبد عن الكفارة مرتين، والحجر كالثوب في ستر العورة فإنه يجوز أن يصلي فيه صلوات.
تنبيه: ما ذكراه من كراهة أخذ حصى المسجد قد خالفه في المجموع في باب الغسل، فجزم بتحريم إخراج الحصى من المسجد، فقال: ولا يجوز أخذ شئ من أجزاء المسجد كحصاة وحجر وتراب. وجزم أيضا بأنه لا يجوز التيمم بتراب المسجد. قال الأسنوي: وإذا تأملت كلامه هنا وهناك قضيت عجبا من منعه التيمم وتجويز أخذ الحصى. وبالغ في التشنيع. وجمع الأذرعي بينهما بأن كلامه هناك فيما إذا كان الحصى والتراب من أجزاء المسجد، وكلامه هنا منزل على ما جلب إليه من الحصى المباح وفرش فيه كما أشار إليه الرافعي. (فإذا) دفعوا إلى منى، و (بلغوا المشعر) وهو بفتح الميم