المصنف يقفوا منصوب عطفا على يخطب، فيقتضي استحباب الوقوف كما قدرته في كلامه مع أنه واجب. أجيب بأنه قيد الوقوف لاستمرار إلى الغروب، وهو مستحب على الصحيح. (و) أن (يذكروا الله تعالى ويدعوه) بإكثار، (ويكثروا التهليل) لقوله (ص): خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير وزاد البيهقي: اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا، اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري. ويسن الاكثار من الصلاة على النبي (ص)، ولا يتكلف السجع في الدعاء، ولا بأس بالسجع إذا كان محفوظا أو قاله من غير قصد له. ويسن قراءة القرآن، قال في البحر:
قال أصحابنا: يستحب أن يكثر من قراءة سورة الحشر في عرفة، فقد روي عن علي بن أبي طالب ذلك رضي الله تعالى عنه وفي كتاب الدعوات للمستقري من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا: من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة يوم عرفة أعطي ما سأل. ويسن رفع اليدين في الدعاء، وأن يقف مستقبل القبلة متطهرا، والأفضل للرجل أن يقف راكبا على الأظهر. وأما صعود الجبل فلا فضيلة في صعوده كما في المجموع، وإن قال ابن جرير والماوردي والبندنيجي: إنه موقف الأنبياء، ومن أدعيته المختارة: * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) * الآية، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة واكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك ونور قلبي وقبري واهدني وأعذني من الشر كله واجمع لي الخير اللهم، إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. وليحذر من التقصير في هذا اليوم فإنه أعظم الأيام، والموقف أعظم المجامع يجتمع فيه الأولياء والخواص ويكثر البكاء مع ذلك، فهناك تسكب العبرات وتقال العثرات. وينبغي أن يستغفر للمؤمنين في دعائه لقوله (ص): اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج رواه الحاكم وقال: صحيح الاسناد. وروى ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: قال عمر رضي الله تعالى عنه:
يغفر الله تعالى للحاج ولمن استغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرا من ربيع الأول. وليحسن الواقف الظن بالله تعالى، فقد نظر الفضيل بن عياش إلى بكاء الناس بعرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا أكان يردهم؟ فقالوا: لا، فقال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل بدانق. ورأي سالم مولى ابن عمر سائلا يسأل الناس في عرفة فقال: يا عاجز أفي هذا اليوم يسئل غير الله تعالى وقيل: إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة غفر الله تعالى لكل أهل الموقف، أي بلا واسطة، وغير يوم الجمعة بواسطة، أي يهب مسيئهم لمحسنهم ويرفع يديه في دعائه لخبر: ترفع الأيدي في سبع مواطن: عند افتتاح الصلاة، واستقبال البيت، والصفا والمروة، والموقفين والجمرتين.
ولا يجاوز بهما الرأس، ولا يفرط في الجهر بالدعاء أو غيره، والأفضل للواقف أن لا يستظل بل يبرز للشمس إلا لعذر.
فرع: التعريف بغير عرفة، وهو اجتماع الناس بعد العصر يوم عرفة للدعاء للسلف، فيه خلاف، ففي البخاري:
أول من عرف بالبصرة ابن عباس، ومعناه: إذا صلى العصر يوم عرفة أخذ في الدعاء والذكر والضراعة إلى الله تعالى إلى غروب الشمس كما يفعل أهل عرفة، ولهذا قال أحمد: أرجو أنه لا بأس به، وقد فعله الحسن وجماعات، وكرهه جماعة منهم مالك. قال المصنف: ومن جعله بدعة لم يلحقه بفاحش البدع، بل يخفف أمره، أي إذا خلا من اختلاط الرجال بالنساء وإلا فهو من أفحشها. (فإذا غربت الشمس) يوم عرفة (فصدوا مزدلفة) مارين على طريق المأزمين، وهو بين الجبلين، وعليهم السكينة والوقار. ومن وجد فرجة أسرع. وهي كلها من الحرم، وحدها ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر، مشتقة من الازدلاف وهو التقرب، لأن الحجاج يتقربون منها إلى منى، والازدلاف التقرب، ومنه قوله تعالى: * (وأزلفت الجنة للمتقين) * أي قربت. وقيل: لأن الناس يجتمعون بها، والاجتماع: الازدلاف، ومنه قوله تعالى:
* (وأزلفنا ثم الآخرين) * أي جمعناهم. وقيل: لمجئ الناس إليها في زلف من الليل، أي ساعات. وتسمى أيضا جمعا بفتح الجيم وسكون الميم، سميت بذلك لاجتماع الناس بها، وقيل: لأنه يجمع فيها بين الصلوات، وقيل: لاجتماع آدم