تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت. قال في أصل الروضة: وإذا اغتسلتا نوتا، والأولى أن يؤخرا الاحرام حتى يطهرا إن أمكن التأخير بأن أمكنهما المقام بالميقات ليقع إحرامهما في أكمل أحوالهما. ويندب أيضا لمريد الاحرام أن يتنظف بإزالة الشعور المطلوب إزالتها كشعر الإبط والعانة والأظفار والأوساخ، وغسل الرأس بسدر ونحوه.
والقياس كما قال الأسنوي تقديم هذه الأمور على الغسل كما في غسل الميت. ويندب أيضا أن يلبد الذكر شعره بصمغ ونحوه لئلا يتولد فيه القمل ولا يتشعث في مدة الاحرام، ويكون التلبيد بعد الغسل. (فإن عجز) مريد الاحرام عن الغسل لفقد ماء أو عدم قدرته على استعماله، (تيمم) لأن الغسل يراد للقربة وللنظافة، فإذا تعذر أحدهما بقي الآخر، ولأنه ينوب عن الغسل الواجب فعن المندوب أولى، ولو وجد ماء لا يكفيه للغسل ويكفيه للوضوء توضأ به وتيمم عن الغسل كما قاله ابن المقري. ولو وجد ماء لا يكفي الوضوء أيضا استعمله في أعضاء الوضوء. وهل يكفيه تيمم واحد عن الغسل وبقية الأعضاء أو يتيمم عن بقية الأعضاء ثم يتيمم ثانيا عن الغسل؟ الأوجه كما قال شيخنا: الثاني. إن لم ينو بما استعمله من الماء الغسل، وإلا فالأول.
تنبيه: لو ذكر المصنف التيمم عقب جميع الأغسال الآتية لكان أولى لشمول الحكم لكلها، وقوله فإن عجز أولى من قول المحرر فإن لم يجد الماء، لأن العجز يتناول الفقدان والمرض والجراحة والبرد ونحو ذلك. (و) الغسل الثاني:
لدخول الحرم. والغسل الثالث: (لدخول مكة) ولو حلالا للاتباع رواه الشيخان في المحرم، والشافعي في الحلال. قال السبكي: وحينئذ لا يكون هذا من أغسال الحج إلا من جهة أنه يقع فيه، ولو فات لم يبعد ندب قضائه كما بحثه بعض المتأخرين، وكذا بقية الأغسال. ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو أحرم المكي بعمرة من قريب كالتنعيم واغتسل لم يندب له الغسل لدخول مكة كما قاله الماوردي، ويظهر مثله كما قال ابن الرفعة في الحج إذا أحرم به من أدنى الحل لكونه لم يخطر له ذلك إلا هناك، قال الأذرعي: أو لكونه مقيما هناك. (و) الغسل الرابع: بعد الزوال، (للوقوف بعرفة) والأفضل كونه بنمرة. ويحصل أصل السنة في غيرها وقبل الزوال بعد الفجر، لكن تقريبه للزوال أفضل كتقريبه من ذهابه في غسل الجمعة. وسميت عرفة، قيل: لأن آدم وحواء تعارفا ثم، وقيل: لأن جبريل عرف فيها إبراهيم عليهما الصلاة والسلام مناسكه، وقيل غير ذلك. (و) الغسل الخامس: بعد نصف ليلة النحر للوقوف (بمزدلفة) عند المشعر الحرام (غداة) يوم (النحر) أي بعد فجره. (و) الغسل السادس: (في) كل يوم من (أيام التشريق) الثلاثة بعد الزوال، (للرمي) أي رمي الجمرات الثلاث لآثار وردت فيها، ولأنها مواضع اجتماع، فأشبه غسل الجمعة. ولو قدم الغسل على الزوال حصل أصل السنة نظير غسل الجمعة، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين. والغسل السابع: لدخول المدينة، ولا يسن الغسل للمبيت بمزدلفة لقربه من غسل عرفة، ولا لرمي يوم النحر اكتفاء بغسل العيد، ولا لطواف القدوم لقربه من غسل الدخول، ولا للحلق وطواف الإفاضة وطواف الوداع كما هو الصحيح عند الرافعي، وكذا المصنف في أكثر كتبه، وإن جزم في مناسكه الكبرى باستحباب هذه الثلاثة. (و) يسن (أن يطيب) مريد الاحرام (بدنه للاحرام) رجلا كان أو خنثى، أو امرأة شابة أو عجوزا، خلية أو متزوجة، اقتداء به (ص)، رواه الشيخان. وقيل: لا يسن للمرأة كذهابها إلى الجمعة، وفرق الأول بأن زمان الجمعة ومكانها ضيق ولا يمكنها تجنب الرجال بخلاف الاحرام. نعم المحدة لا تتطيب. (وكذا ثوبه) من إزار الاحرام وردائه يسن تطييبه. (في الأصح) كالبدن، والثاني: المنع، لأن الثوب ينزع ويلبس. وتبع لمصنف المحرر في استحباب تطييب الثوب، وصحح في المجموع أنه مباح، وقال: لا يندب جزما، وصحح في الروضة كأصلها الجواز، وهذا هو المعتمد. (ولا بأس باستدامته) أي الطيب في الثوب (بعد الاحرام) كالبدن، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله (ص) وهو محرم، والوبيص بالباء الموحدة بعد الواو وبالصاد المهملة: هو البريق، والمفرق: وسط الرأس. وينبغي كما قال الأذرعي أن يستثنى