الثانية قوله: (وقيل يشترط مكث نحو يوم) أي قريب منه، لأن ما دون ذلك معتاد في الحاجة التي تعن في المسجد أو في طريقه لقضاء الحاجة فلا يصلح للقربة، وعلى الأصح يصح نذر اعتكاف ساعة، ولو نذر اعتكافا مطلقا كفاه لحظة، لكن المستحب يوم، ويسن كلما دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف. (ويبطل بالجماع) من عالم بتحريمه ذاكر للاعتكاف سواء أجامع في المسجد أم خارجه عند خروجه لقضاء حاجة أو نحوها لمنافاته العبادة البدنية. واعلم أن جماعه في المسجد حرام مطلقا إذا أدى إلى مكث فيه سواء كان معتكفا أم لا كما مرت الإشارة إليه، وسواء أكان اعتكافه فرضا أم نفلا. وأما إذا جامع خارج المسجد وكان معتكفا فإن كان الاعتكاف منذورا حرم، وإن كان تطوعا لم يحرم إذ غايته الخروج من العبادة وهو جائز. قال في المهمات: والحكم بالبطلان إنما هو بالنسبة إلى المستقبل، وأما الماضي فكذلك إن كان منذورا متتابعا فيستأنف، وإن لم يكن متتابعا لم يبطل ما مضى سواء أكان منذورا أم نفلا، ولو شتم إنسانا أو اغتابه أو أكل حراما لم يبطل اعتكافه وبطل ثوابه - قاله في الأنوار - ولو أولج في دبر خنثى بطل اعتكافه أو أولج في قبله، أو أولج الخنثى في رجل أو امرأة أو خنثى ففي بطلان اعتكافه الخلاف المذكور في قوله. (وأظهر الأقوال أن المباشرة بشهوة) فيما دون الفرج (كلمس وقبلة تبطله) أي الاعتكاف (إن أنزل، وإلا فلا) تبطله لما مر في الصوم. والثاني: تبطله مطلقا لعموم قوله تعالى: * (ولا تباشروهن) *. والثالث: لا مطلقا، كالحج. وعلى كل قول في حرام في المسجد إن لزم منها مكث فيه وهو جنب، وكذا خارجه إن كان الاعتكاف واجبا بخلاف ما إذا كان نفلا. واحترز المصنف بالمباشرة عما إذا نظر أو تكفر فأنزل فإنه لا يبطل، وبالشهوة عما إذا قبل بقصد الاكرام ونحوه، أو بلا قصد فلا يبطله إذا أنزل جزما، والاستمناء كالمباشرة. وقد عرف بهذا التفصيل أن مسألة الخنثى مستثناة من بطلان الاعتكاف بالجماع، ولكن يشترط في الخنثى أن ينزل من فرجيه. (ولو جامع ناسيا) للاعتكاف (فكجماع الصائم) ناسيا صومه فلا يضر على المذهب كما سبق في الصيام، ولو جامع جاهلا فكجماع الصائم جاهلا، وقد مر في الصيام أيضا، والمباشرة بشهوة في ذلك كالجماع. (ولا يضر) في الاعتكاف (التطيب والتزين) باغتسال وقص شارب ولبس ثياب حسنة ونحو ذلك من دواعي الجماع، لأنه لم ينقل أنه (ص) تركه ولا أمر بتركه، والأصل بقاؤه على الإباحة. وله أن يتزوج ويزوج بخلاف المحرم، ولا يكره له الصنائع في المسجد كالخياطة والكتابة ما لم يكثر منها، فإن أكثر منها كرهت لحرمته إلا كتابة العلم فلا يكره الاكثار منها، لأنها طاعة كتعليم العلم، ذكره في المجموع. وتكره له الحرفة فيه بخياطة ونحوها كالمعاوضة من نحو بيع وشراء بلا حاجة وإن قلت. وله أن يأكل ويشرب ويغسل يده فيه، والأولى أن يأكل في سفرة أو نحوها، وأن يغسل يده في طست أو نحوها ليكون أنظف للمسجد. ويجوز نضحه بمستعمل لاتفاقهم على جواز الوضوء فيه وإسقاط مائه في أرضه مع أنه مستعمل، ولأنه أنظف من غسالة اليد الخالصة يغسلها فيه، وهذا ما اختاره في المجموع وجزم به ابن المقري، وهو المعتمد خلافا لما جرى عليه البغوي من الحرمة.
ويجوز الاحتجام والفصد فيه في إناء مع الكراهة كما جزم بها في المجموع إذا أمن تلويث المسجد، وكالحجامة والفصد ما في معناهما كما بحثه شيخنا كفتح دمل وسائر الدماء الخارجة من الآدمي للحاجة، أما ما ليس في معناهما فإنه يحرم، فقد نقل المصنف في مجموعه تحريم إدخال النجاسة المسجد لما فيه من شغل هوائه بها مع زيادة القبح، ومحله إذا لم تكن حاجة بدليل جواز إدخال النعل المتنجسة فيه إذا أمن التلويث، فإن لوث الخارج بما ذكر المسجد أو بال أو تغوط فيه ولو في إناء حرم، والفرق بين ما تقدم وبين البول والغائط أن الدماء أخف منهما لما مر أنه يعفى عنها في محلها وإن كثرت إذا لم تكن بفعله، ولأنهما أقبح منها، ولهذا لا يمنع من نحو الفصد متوجها للقبلة بخلافهما. وإن اشتغل المعتكف بالقرآن والعلم فزيادة خير لأنه طاعة في طاعة، ويسن له الصوم للاتباع وللخروج من خلاف من أوجبه كما سيأتي.