في البلد جامعان فمر على أحدهما وذهب إلى الآخر فإن كان الذي ذهب إليه يصلي فيه أولا لم يضره، أو في وقت واحد بطل اعتكافه كما قاله القفال في فتاويه. أما إذا لم يشرط التتابع فإنه لا يشترط الجامع، بل يصح في سائر المساجد لمساواتها له في تحريم المكث جنبا وسائر الأحكام. ويستثنى من كون الجامع أولى ما إذا كان قد عين غير الجامع، فالمعين أولى إذا لم يحتج إلى الخروج إلى الجمعة. (والجديد أنه لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وهو المعتزل المهيأ للصلاة) لأنه ليس بمسجد بدليل جواز تغييره ومكث الجنب فيه، ولان نساء النبي (ص) رضي عنهن كن يعتكفن في المسجد، ولو كفى بيوتهن لكانت لهن أولى. والقديم يصح لأنه مكان صلاتها كما أن المسجد مكان صلاة الرجل. وأجاب الأول:
بأن الصلاة لا تختص بموضع بخلاف الاعتكاف، والخنثى كالرجل، وعلى القول بصحة اعتكافها في بيتها يكون المسجد لها أفضل خروجا من الخلاف. (ولو عين) الناذر (المسجد الحرام في نذره الاعتكاف تعين) فلا يقوم غيره مقامه لتعلق النسك به وزيادة فضله لكثرة تضاعف الصلاة فيه، قال (ص): صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي. واختلفوا في المراد بالمسجد الحرام الذي يتعين في النذر ويتعلق به زيادة الفضيلة، قيل: الكعبة والمسجد الذي يطاف فيه حولها، وبهذا جزم المصنف في المجموع في باب استقبال القبلة. وقيل: إنه الكعبة وما في الحجر من البيت، وهو اختيار صاحب البيان. وقيل:
جميع بقاع الحرم، وهو الذي نقله في البيان عن شيخه الشريف العثماني، والقلب إلى هذا أميل. وسكت المصنف عما لو عين الكعبة أو البيت الحرام، وقال في البيان: إنه يتعين البيت وما أضيف إليه من الحجر، قال في المهمات: وهو المتجه، لكن هذا إنما يأتي كما قاله بعض المتأخرين على قول من يرى أن التضعيف مختص بذلك، وصاحب البيان يقول به. وأما من لا يرى التضعيف مختصا بذلك فلا ينبغي أن يقول بتعيين ذلك. وقد صرح الامام بالمسألة فقال عن شيخه: إنه لو نذر صلاة في الكعبة وصلى في أطراف المسجد خرج عن نذره، ونقله الرافعي عنه في باب النذر. (وكذا مسجد المدينة، و) مسجد (الأقصى) إذا عينهما الناذر في نذره تعينا (في الأظهر) ولا يجزئ دونهما، لأنهما مسجدان تشد إليهما الرحال فأشبها المسجد الحرام. والثاني: لا، لأنهما لا يتعلق بهما نسك فأشبها بقية المساجد. وأشعر كلامه أنه لو عين مسجدا غير الثلاثة لم يتعين وهو كذلك في الأصح، لكن ما عينه أولى من غيره كما مر، ويشعر أيضا تعبيره بالاعتكاف أن نذر الصلاة في المساجد الثلاثة لم يتعين وليس مرادا، بل هي أولى بالتعيين، وقد نص عليها الشافعي والأصحاب. (ويقوم المسجد الحرام مقامهما) لمزيد فضله عليهما وتعلق النسك به (ولا عكس) أي لا يقومان مقام المسجد الحرام لأنهما دونه في الفضل. (ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى) لأنه أفضل منه، فإنه صح أن الصلاة فيه بألف صلاة كما مر، وفي الأقصى بخمسمائة كما رواه ابن عبد البر، وقال البزار: إسناده حسن. وروي أيضا أن الصلاة فيه بألف، وعلى هذا هما متساويان. (ولا عكس) لما سبق، وسكت المصنف عن تعيين زمن الاعتكاف، والصحيح فيه التعيين أيضا، فلو قدمه لم يصح، وإن أخره كان قضاء، ويأثم إن تعمد، وأجزاء المسجد كلها متساوية في أداء المنذور، ومقتضى كلام الجمهور أنه لا يتعين جزء منه بالتعيين وإن كان أفضل من بقية الأجزاء. ثم شرع في الركن الثاني فقال: (والأصح أنه يشترط في الاعتكاف لبث قدر يسمى عكوفا) أي إقامة بحيث يكون زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه، فلا يكفي قدرها، ولا يجب السكون بل يكفي التردد فيه. وقوله: والأصح يرجع إلى جملتين: إحداهما أصل اللبث، والثانية قدره، ومقابل الأصح في الأول قوله: (وقيل يكفي مرور بلا لبث) كالوقوف بعرفة، ومقابله في