شهر ولو غير أيام البيض كما في البحر وغيره. قال السبكي: والحاصل أنه يسن صوم ثلاثة، وأن تكون أيام البيض فإن صامها أتى بالسنتين، والأحوط صوم الثاني عشر معها أيضا للخروج من خلاف من قال إنه أول الثلاثة. وسميت هذه الأيام بذلك لأنها تبيض بطلوع القمر من أولها لآخرها، ويستثنى ثالث عشر ذي الحجة فإن صومه حرام كما مر، وبحث بعضهم أنه يصوم بدلا عنه السادس عشر. ويسن صوم أيام الليالي السود، وهو الثامن والعشرون وتالياه، وينبغي كما قال شيخنا أن يصوم معها السابع والعشرين احتياطا. وخصت أيام البيض والسود بذلك لتعميم ليالي الأولى بالنور والثانية بالسواد، فناسب صوم الأولى شكرا والثانية لطلب كشف السواد، ولان الشهر ضيف قد أشرف على الرحيل فناسب تزويده بذلك. (و) صوم (ستة من شوال) وهذا من القسم الثاني، فيسن صومها لقوله (ص):
من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر رواه مسلم، وروى النسائي خبر: صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة أي كصيامها فرضا، وإلا فلا يختص ذلك برمضان وستة من شوال لأن الحسنة بعشرة أمثالها.
تنبيه: قضية إطلاق المصنف استحباب صومها لكل أحد سواء أصام رمضان أم لا كمن أفطر لمرض أو صبا أو كفر أو غير ذلك، وهو الظاهر كما جرى عليه بعض المتأخرين، وإن كانت عبارة كثيرين: يستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بست من شوال كلفظ الحديث، وتحصل السنة بصومها متفرقة. (و) لكن (تتابعها أفضل) عقب العيد مبادرة إلى العبادة ولما في التأخير من الآفات. ولو صام في شوال قضاء أو نذرا أو غير ذلك، هل تحصل له السنة أو لا؟ لم أر من ذكره، والظاهر الحصول. لكن لا يحصل له هذا الثواب المذكور خصوصا من فاته رمضان وصام عنه شوالا لأنه لم يصدق عليه المعنى المتقدم، ولذلك قال بعضهم: يستحب له في هذه الحالة أن يصوم ستا من ذي القعدة لأنه يستحب قضاء الصوم الراتب اه. وهذا إنما يأتي إذا قلنا أن صومها لا يحصل بغيرها، أما إذا قلنا بحصوله وهو الظاهر كما تقدم فلا يستحب قضاؤها. وقول المصنف ستة بإثبات التاء مع حذف المعدود لغة، والأفصح حذفها كما ورد في الحديث. ويسن صوم آخر كل شهر لما مر في صوم أيام السواد، فإن صامها أتى بالسنتين، ولا يرد على ذلك يوم الشك فإنه آخر شهر لأن الكلام تقدم عليه. (ويكره إفراد) يوم (الجمعة) بالصوم، لقوله (ص): لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده رواه الشيخان، وليتقوى بفطره على الوظائف المطلوبة فيه، ولذلك خصه البيهقي وجماعة نقلا عن مذهب الشافعي بمن يضعف به عن الوظائف، والظاهر أنه لا فرق، فقد قيل: إن العلة في ذلك لئلا يبالغ في تعظيمه كاليهود في السبت، وقيل: لئلا يعتقد وجوبه، وقيل: لأنه يوم عيد وطعام. (و) يكره أيضا (إفراد السبت) أو الاحد بالصوم لخبر: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه على شرط الشيخين، ولان اليهود تعظم يوم السبت والنصارى يوم الأحد. وخرج بإفراد كل من الثلاثة جمعه مع غيره، فلا يكره جمع الجمعة مع السبت ولا السبت مع الاحد لأن المجموع لا يعظمه أحد، وحمل على هذا ما روى النسائي: أنه (ص) كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت والاحد، وكان يقول: إنهما يوما عيد للمشركين وأحب أن أخالفهم قال بعضهم: ولا يعرف لهذه المسألة نظير، وهو أنه إذا ضم مكروه آخر تزول الكراهة. فإن قيل: التعليل بالتقوي بالفطر في كراهة إفراد الجمعة يقتضي أنه لا فرق بين إفرادها وجمعها؟ أجيب بأنه إذا جمعها حصل له بفضيلة صوم غيره ما يجبر ما حصل فيها من النقص، قاله في المجموع.
تنبيه: محل كراهة إفراد ما ذكر إذا لم يوافق عادة له، فإن كان له عادة كأن اعتاد صوم يوم وفطر يوم فوافق صومه يوما منها لم يكره كما في صوم يوم الشك، ولخبر مسلم: لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم. وقيس بالجمعة الباقي. ولا يكره إفراد عيد من أعياد أهل الملل بالصوم كالنيروز والمهرجان، وإطلاق المصنف كراهة إفراده محمول على النفل فلا يكره في المعتاد والفرض كما دل عليه الحديث. ثم شرع في القسم الأول فقال: