فائدة: كان النبي (ص) يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع، فأتاه النبي (ص) فالتزمه، وفي رواية: فمسحه، وفي أخرى: فسمعنا له مثل أصوات العشار. وكان منبره (ص) ثلاث درج غير الدرجة التي تسمى المستراح، ويستحب أن يقف على الدرجة التي تليها كما كان يفعل النبي (ص). فإن قيل: إن أبا بكر نزل عن موقف النبي (ص) درجة، وعمر درجة أخرى، وعثمان درجة أخرى، ثم وقف على موقف رسول الله (ص).
أجيب بأن فعل بعضهم ليس حجة على بعض ولكل منهم قصد صحيح، والمختار موافقته (ص) لعموم الامر بالاقتداء به. نعم إن طال المنبر قال الماوردي: فعلى السابعة، أي لأن مروان بن الحكم زاد في زمن معاوية على المنبر الأول ست درج فصار عدد درجه تسعة، وكان الخلفاء يقفون على الدرجة السابعة، وهي الأولى من الأول، أي لأن الزيادة كانت من أسفله. وظاهر كلامهم أن فعل الخطبة على المنبر مستحب وإن كان بمكة، وهو للظاهر، وإن قال السبكي: الخطابة بمكة على منبر بدعة، وإنما السنة أن يخطب على الباب كما فعل النبي (ص) يوم الفتح، وإنما أحدث المنبر بمكة معاوية بن أبي سفيان. ويكره منبر كبير يضيق على المصلين. ويسن التيامن في المنبر الواسع، (أو) على موضع (مرتفع) لأنه أبلغ في الاعلام، هذا إن لم يكن منبر كما في الشرحين والروضة وإن كان مقتضى عبارة المصنف التسوية، فإن تعذر استند إلى نحو خشبة كما كان (ص) يفعله قبل فعل المنبر. (ويسلم) عند دخول المسجد على الحاضرين لاقباله عليهم، و (على من عند المنبر) ندبا إذا انتهى إليه كما في المحرر للاتباع رواه البيهقي، ولمفارقته إياهم. ولا يسن له تحية المسجد كما في زوائد الروضة وإن خالفه غيره. (و) يسن (أن يقبل عليهم إذا صعد) المنبر أو نحو أو استند إلى ما مر وانتهى إلى ما يجلس عليه أو استند إلى ما يستند إليه، (ويسلم عليهم)، للاتباع ولاقباله عليهم. قال في المجموع:
ويجب رد السلام عليه في الحالين، وهو فرض كفاية كالسلام في باقي المواضع، وإنما يسن إقباله عليهم وإن كان فيه استدبار القبلة، لأنه لو استقبلها فإن كان في صدر المجلس كما هو العادة كان خارجا عن مقاصد الخطاب، وإن كان في آخره ثم استدبروه لزم ما ذكرناه، وإن استقبلوه لزم ترك الاستقبال لخلق كثير وتركه لواحد أسهل. (ويجلس) بعد السلام على المستراح ليستريح من تعب الصعود، (ثم يؤذن) بفتح الذال في حال جلوسه كما قاله الشارح. وقال الدميري:
ينبغي أن يكون بكسرها ليوافق ما في المحرر من كون الاذان المذكور يستحب أن يكون من واحد لا من جماعة كما استحبه أبو علي الطبري وغيره. ولفظ الشافعي في ذلك: وأحب أن يؤذن مؤذن واحد إذا كان على المنبر لا جماعة المؤذنين لأنه لم يكن لرسول الله (ص) إلا مؤذن واحد، فإن أذنوا جماعة كرهت ذلك، ولا يفسد شئ منه الصلاة لأن الاذان ليس من الصلاة، وإنما هو دعاء إليها. وفي البخاري كان الاذان على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر حين يجلس الامام على المنبر، فلما كثر الناس في عهد عثمان أمرهم بأذان آخر على الزوراء واستقر الامر على هذا. (و) يسن (أن تكون) الخطبة (بليغة) أي فصيحة جزلة، لأن ذلك أوقع في القلوب من الكلام المبتذل الركيك، (مفهومة) لا غريبة وحشية، إذ لا ينتفع بها أكثر الناس. وقال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟. وقال الشافعي رضي الله عنه: يكون كلامه مسترسلا مبينا معربا من غير نعي ولا تمطيط. وقال المتولي: وتكره الكلمات المشتركة والبعيدة عن الافهام وما تنكره عقول الحاضرين.
(قصيرة) أي بالنسبة إلى الصلاة، لحديث مسلم: أطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة بضم الخاء، فتكون متوسطة كما عبر به في الروضة وأصلها، بين الطويلة والقصيرة لخبر مسلم: كانت صلاة النبي (ص) قصدا وخطبته قصدا ولا ينافي هذا ما مر، لأن القصر والطول من الأمور النسبية، فالمراد بإقصار الخطبة إقصارها عن الصلاة كما مر وبإطالة الصلاة إطالتها على الخطبة، قال شيخنا: وبهذا يندفع ما قيل إن اقتصار الخطبة يشكل بقولهم يسن أن يقرأ في الأولى ق. (ولا يلتفت يمينا، و) لا (شمالا في شئ منها) لأنه بدعة، بل يستمر على ما مر من الاقبال عليهم إلى فراغها ولا