اثنا عشر مع الامام، لحديث جابر: أنهم انفضوا عن النبي (ص) فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فأنزل الله تعالى: * (وإذا رأوا تجارة) * الآية، فدل على أن الأربعين لا تشترط في دوام الصلاة. وأجاب الأول بأن هذا كان في الخطبة كما ورد في مسلم. ورجح هذه الرواية البيهقي على ما ورد في رواية أخرى في البخاري في الصلاة، وحملها بعضهم على الخطبة جمعا بين الروايتين. وإذا كان في الخطبة فلعلهم عادوا قبل طول الفصل. وفي قول لا تبطل إن بقي (اثنان) مع الامام اكتفاء بدوام مسمى الجمع، وفي قول قديم أنه يكفي بقاء واحد معه لوجود اسم الجماعة، وفي رابع أنه يتمها جمعة وإن بقي وحده، وفي خامس إن حصل الانفضاض في الركعة الأولى بطلت أو في الثانية فلا ويتمها جمعة وإن بقي وحده. والمراد على الأول انفضاض مسمى العدد لا الذين حضروا الخطبة، فلو أحرم بتسعة وثلاثين سمعوا الخطبة ثم انفضوا بعد إحرام تسعة وثلاثين لم يسمعوها أتم بهم الجمعة، لأنهم إذا لحقوا والعدد تام صار حكمهم واحدا فسقط عنهم سماع الخطبة، وإن انفضوا قبل إحرامهم به استأنف الخطبة بهم، فلا تصح الجمعة بدونها وإن قصر الفصل لانتفاء سماعهم ولحوقهم، وإن أحرم بهم فانفضوا إلا ثمانية وثلاثين فكملوا أربعين بخنثى، فإن أحرم به بعد انفضاضهم لم تصح جمعتهم للشك في تمام العدد المعتبر وإلا صحت، لأنا حكمنا بانعقادها وصحتها وشككنا في نقص العدد بتقدير أنوثته، والأصل صحة الصلاة فلا نبطلها بالشك، كما لو شك في الصلاة هل كان مسح رأسه أم لا فإنه يمضي في صلاته. (وتصح) الجمعة (خلف العبد والصبي والمسافر في الأظهر) أي خلف كل منهم (إذا تم العدد بغيره) لصحتها منهم كما في سائر الصلوات وإن لم تلزمهم، والعدد قد وجد بصفة الكمال، وجمعة الامام صحيحة، والاقتداء بمن لا تجب عليه تلك الصلاة فيها جائز. والثاني: لا تصح، لأن الامام ركن في صحة هذه الصلاة، فاشترط فيه الكمال كالأربعين بل أولى. ولو كان الامام متنفلا ففيه قولان، وأولى بالجواز لأنه من أهل الفرض ولا نقص فيه.
تنبيه: تعبيره بالأظهر في الثلاثة مخالف لما في الشرح والروضة من وجهين: أحدهما أن الأصح في العبد والمسافر طريقة القطع بالصحة لا طريقة الخلاف، والثاني: أن الخلاف على تقدير إثباته فيهما وجهان لا قولان. وكان الأولى أن يقول: إذا تم العدد بغيرهم، لأن العطف إذا كان بالواو لا يفرد الضمير، أما إذا تم العدد بواحد ممن ذكر فلا تصح جزما. (ولو بان الامام جنبا أو محدثا صحت جمعتهم في الأظهر إن تم العدد بغيره) كما في سائر الصلوات، والثاني: لا تصح لأن الجماعة شرط في الجمعة، والجماعة تقوم بالإمام والمأموم، فإذا بان الامام محدثا بان أن لا جمعة له ولا جماعة بخلاف غيرها. وحكى في المجموع طريقة قاطعة بالأول وصححها. (وإلا) بأن تم العدد به (فلا) تصح جمعتهم جزما، لأن الكمال شرط في الأربعين كما مر، ولو بان حدث الأربعين المقتدين به أو بعضهم لم تصح جمعة من كان محدثا، وتصح جمعة الامام فيهما كما صرح به الصيمري والمتولي وغيرهما ونقلاه عن صاحب البيان وأقراه، لأنه لا يكلف العلم بطهارتهم بخلاف ما لو بانوا عبيدا أو نساء لسهولة الاطلاع على حالهم. أما المتطهر منهم في الثانية فتصح جمعته تبعا للامام كما صرح به المتولي والقمولي.
فإن قيل: كيف صحت صلاة الامام مع فوات الشرط وهو العدد فيها، ولهذا شرطناه في عكسه؟ أجيب بأنه لم يفت بل وجد في حقه، واحتمل في حدثهم لأنه متبوع، ويصح إحرامه منفردا فاغتفر له مع عذره ما لا يغتفر في غيره، وإنما صحت للمتطهر المؤتم به في الثانية تبعا له. (ومن لحق الإمام المحدث) أي الذي بان حدثه (راكعا لم تحسب ركعته على الصحيح) لأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع بإدراك الركوع خلاف الحقيقة، وإنما يصار إليه إذا كان الركوع محسوبا من صلاة الامام ليتحمل به عن الغير، والمحدث ليس أهلا للتحمل وإن صحت الصلاة خلفه. والثاني: يحسب، كما لو أدرك معه كل الركعة، وصححه الرافعي في باب صلاة المسافر. وأجاب الأول بأنه إذا أدركه راكعا لم يأت بالقراءة، والامام لا يتحمل