معناه: خرج من بيته باكرا، وعلى التشديد معناه: أتى بالصلاة أول وقتها. وابتكر: أي أدرك أول الخطبة، وقيل هما بمعنى، جمع بينهما تأكيدا، وقوله: مشى ولم يركب، قيل: هما بمعنى واحد جمع بينهما تأكيدا. قال شيخنا: والمختار أن قوله ولم يركب أفاد نفي توهم حمل المشي على المضي وإن كان راكبا، ونفي احتمال أن يريد المشي ولو في بعض الطريق. والسنة أن لا يركب فيها ولا في عيد ولا في جنازة ولا في عيادة مريض ذهابا كما قاله الرافعي وغيره، إلا لعذر فيركب. أما في الرجوع فهو مخير بين المشي والركوب، لأنه (ص) ركب في رجوعه من جنازة أبي الدحداح، رواه ابن حبان وغيره وصححوه.
(بسكينة) إذا لم يضق الوقت كما قيداه في الروضة وأصلها لحديث الصحيحين أنه (ص) قال: إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة وهذا ليس خاصا بالجمعة بل كل صلاة قصدها المصلي كذلك. فإن قيل: قال الله تعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) * فظاهره أن السعي مطلوب. أجيب بأن معناه: امضوا، لأن السعي يطلق على المضي والعدو، فبينت السنة المراد به. والسعي إليها ما لم يضق الوقت وإلى غيرها من سائر العبادات مكروه، كما قاله الماوردي، أما إذا ضاق الوقت فالأولى الاسراع، وقال المحب الطبري: يجب إذا لم يدرك الجمعة إلا به. وحكم الراكب في ذلك كالماشي فيسير الدابة بسكون ما لم يضق الوقت. ويسن أن يذهب في طريق طويل إن أمن الفوات وأن يرجع في آخر قصير كما في العيد. (و) يسن (أن يشتغل في طريقه وحضوره) قبل الخطبة (بقراءة أو ذكر) لقوله (ص): إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث، وإن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه رواه الشيخان. وجه الدلالة منه أن شأن المصلي الاشتغال بالقراءة والذكر.
ولفظ الطريق مزيد على المحرر بل على سائر كتب المصنف والرافعي، والمختار كما قال المصنف في تبيانه أن القراءة في الطريق جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها فإن التهى عنها كرهت، وقال الأذرعي: ولعل الأحوط ترك القراءة فيها فقد كرهها بعض السلف فيه ولا سيما في مواضع الزحمة والغفلة كالأسواق. (ولا يتخطى) رقاب الناس، لأنه (ص) رأى رجلا يتخطى رقاب الناس، فقال له: اجلس فقد أذيت وأنيت أي تأخرت، رواه ابن حبان والحاكم وصححاه، أي فيكره له ذلك كما نص عليه في الام، وقيل: يحرم، واختاره في زوائد الروضة في الشهادات. ويستثنى من ذلك صور:
منها الامام إذا لم يبلغ المنبر أو المحراب إلا بالتخطي فلا يكره له لاضطراره إليه. ومنها ما إذا وجد في الصفوف التي بين يديه فرجة لم يبلغها إلا بالتخطي رجل أو رجلين فلا يكره له وإن وجد غيرها لتقصير القوم بإخلاء فرجة، لكن يستحب إذا وجد غيرها أن لا يتخطى، فإن زاد في التخطي عليها ولو من صف واحد ورجا أن يتقدموا إلى الفرجة إذا أقيمت الصلاة كره لكثرة الأذى. ومنها الرجل العظيم في النفوس إذا ألف موضعا لا يكره له لقصة عثمان المشهورة وتخطيه ولم ينكر عليه، قاله القفال والمتولي، وينبغي كما قال الأذرعي أن محل هذا فيمن ظهر صلاحه وولايته فإن الناس يسرون يتخطيته ويتبركون به، فإن لم يكن معظما فلا يتخطى وإن ألف موضعا يصلي فيه كما قاله البندنيجي. ومنها ما إذا سبق العبيد والصبيان أو غير المستوطنين إلى الجامع، فإنه يجب على الكاملين إذا حضروا التخطي لسماع الخطبة إذا كانوا لا يسمعونها مع البعد. ومنها إذا جلس داخل الجامع على طريق الناس. ومنها ما إذا أذن له القوم في التخطي، ولا يكره لهم الاذن والرضا بإدخالهم الضرر على أنفسهم، لكن يكره لهم من جهة أخرى وهو أن الايثار بالقرب مكروه، كذا قاله ابن العماد، ويؤيده قولهم:
ويحرم أن يقيم أحدا ليجلس مكانه، ولكن يقول: تفسحوا وتوسعوا فإن قام الجالس باختياره وأجلس غيره فلا كراهة في جلوس غيره، وأما هو فإن انتقل إلى مكان أقرب إلى الامام أو مثله لم يكره وإلا كره إن لم يكن عذر لأن الايثار بالقرب مكروه. وأما قوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم) * فالمراد الايثار في حظوظ النفس وهذا هو الظاهر، وإن كان ظاهر كلام المجموع أن الكراهة لا تزول بالاذن. ومنها ما إذا كان الجالسون عبيدا له أو أولادا، ولهذا يجوز أن يبعث عبده ليأخذ له موضعا في الصف الأول فإذا حضر السيد تأخر العبد، قاله ابن العماد. ويجوز له أن يبعث من يقعد له في مكان ليقوم عنه إذا جاء هو، ولو فرش لاحد ثوب أو نحوه فلغيره تنحيته والصلاة مكانه لا الجلوس عليه بغير رضا صاحبه، ولا يرفعه