يشخص رأسه: أي لم يرفعه، ولم يصوبه: أي لم يخفضه. وقضية كلام المصنف أن خفض الرأس من غير مبالغة لا كراهة فيه، والذي دل عليه كلام الشافعي والأصحاب كما قاله السبكي وجرى عليه شيخنا في منهجه الكراهة وهو المعتمد. (و) تكره (الصلاة في) الأسواق والرحاب الخارجة عن المسجد، قاله في الاحياء، قال: وكان بعض الصحابة يضرب الناس ويقيم من الرحاب. وفي (الحمام) ولو في مسلخه لحديث صحيح أسنده ابن حبان: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام. واختلف في علة النهي على أقوال: أصحها لأنه مأوى الشياطين، وقيل: خوف النجاسة، وقيل: لاشتغال المصلي بدخول الناس، وقيل غير ذلك. وهو مذكر مأخوذ من الحميم وهو الماء الحار. (و) في (الطريق) للنهي عن الصلاة في قارعة الطريق وهي أعلاه، وقيل: صدره، وقيل: ما برز منه، والكل متقارب. والمراد هنا نفس الطريق كما قاله ابن الأثير في النهاية فلهذا عبر به المصنف. وظاهر كلامه أنه لا فرق بين البنيان والبرية، وصححه في الكفاية، ولكن المعتمد ما صححه في التحقيق من الكراهة في البنيان دون البرية. وفي قول إن الصلاة في الشارع باطلة بناء على تغليب الغالب الظاهر على الأصل. (و) في (المزبلة) بفتح الباء وضمها: موضع الزبل ونحوه كالمجزرة، وهي موضع ذبح الحيوان.
ومحل ذلك ما إذا بسط طاهرا وصلى عليه وإلا لم تصح لأنه مصل على نجاسة. وإنما تكره على الحائل إذا كانت النجاسة محققة، فإن بسطه على ما غلبت فيه النجاسة لم تكره على ما يقتضيه كلام الرافعي لضعف ذلك الحائل. (و) في (الكنيسة) وهي بفتح الكاف معبد النصارى، وفي البيعة بكسر الباء وهي معبد اليهود، ونحوهما من أماكن الكفر لأنها مأوى الشياطين. نعم لو منعنا أهل الذمة من دخول أماكنهم حرم علينا دخولها. (و) في (عطن الإبل) ولو طاهرا وهو الموضع الذي تنحى إليه الإبل الشاردة ليشرب غيرها، فإذا اجتمعت سيقت منه إلى المرعى، لقوله (ص): صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين رواه ابن ماجة وصححه ابن حبان، ولنفارها المشوش للخشوع. والمرابض المراقد فلا تكره الصلاة فيها. وفرق الرافعي بين الإبل والغنم بأن خوف نفار الإبل يذهب الخشوع بخلاف الغنم. ولا تختص الكراهة بالعطن، بل مأواها ومقيلها ومباركها، بل مواضعها كلها كذلك. قال الرافعي:
والكراهة في العطن أشد من مأواها لأن نفارها في العطن أكثر لازدحامها ذهابا وإيابا. والبقر كالغنم كما قاله ابن المنذر وغيره، وإن نظر فيه الزركشي. ومعلوم أن أماكن المواشي مطلقا إن تنجست لم تصح الصلاة فيها بلا حائل، وتصح بالحائل مع الكراهة، لكن الكراهة في موضع الغنم ونحوها لمحاذاة النجاسة كما مر، وفي موضع الإبل لذلك ولما مر.
(و) في (المقبرة) بتثليث الموحدة (الطاهرة) وهي التي لم تنبش، (والله أعلم) لنهيه (ص) عن الصلاة في سبعة مواطن: في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق بيت الله العتيق رواه الترمذي وقال: إسناده ليس بالقوي. ولنجاسة ما تحتها بالصديد. وإنما كرهت الصلاة فوق البيت لهتك حرمته.
أما المنبوشة فلا تصح الصلاة فيها بغير حائل ومعه تكره، واستثنى كما في التوشيح لابن السبكي مقابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أي إذا كانت أرضا ليس فيها مدفون إلا نبي أو أنبياء فلا تكره الصلاة فيها لأن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وإنما هم أحياء في قبورهم يصلون. وينبغي كما قال بعض المتأخرين أن تكون مقابر شهداء المعركة كذلك لأنهم أحياء، واعترض الزركشي كلام ابن السبكي بأن تجويز الصلاة في مقبرة الأنبياء ذريعة إلى اتخاذها مسجدا، وجاء النهي عن اتخاذ مقابر الأنبياء مساجد وسد الذرائع مطلوب اه. وليس هذا الاعتراض بظاهر.
قال في المجموع: وتكره الصلاة في مأوى الشياطين، كالخمارة ومواضع المكس ونحو ذلك من المعاصي الفاحشة، وفي الوادي الذي نام فيه (ص) لا في غيره من الأودية، وان أطلق الرافعي تبعا للإمام والغزالي الكراهة في بطون الأودية مطلقا وعللوه باحتمال السيل المذهب للخشوع، ويكره استقبال القبر في الصلاة لخبر مسلم: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها. نعم يحرم استقبال قبره (ص) كما جزم به في التحقيق، ويقاس به سائر قبور الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام.