للإمام بالرشد خوف زيغه، وللمؤذن بالمغفرة لعلمه بسلامة حاله. وأجيب عن الأول بأن الاذان يحتاج إلى فراغ وكانوا مشتغلين بمصالح الأمة، وقيل: لأنه (ص) لو أذن لوجب الحضور على من سمعه، وضعف هذا بأن قرينة الحال تصرفه إلى الاستحباب، ولأنه (ص) أذن مرة في السفر كما رواه الترمذي بإسناد جيد، وقيل: أذن مرتين. وصحح المصنف في نكته أن الاذان مع الإقامة أفضل من الإمامة وجرى على ذلك بعض المتأخرين، والمعتمد ما في الكتاب تبعا لصاحب التنبيه. وإذا كان أفضل من الإمامة فهو أفضل من الخطابة، لأن الإمامة أفضل منها، لأن الإمام يأتي بالمشروط والخطيب يأتي بالشرط والاتيان بالمشروط أولى. وقيل: الاذان والإمامة سواء، وقيل: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل وإلا فالاذان، وحكي عن نص الام. فإن قيل: كيف فضل المصنف الاذان مع موافقته للرافعي على تصحيحه أنه سنة وتصحيحه فرضية الجماعة، إذ يلزم من ذلك تفضيل سنة على فرض، وإنما يرجحه عليها من يقول بسنيتها؟ أجيب بأنه لا مانع من تفضيل سنة على فرض، فقد فضل ابتداء السلام على الجواب وإبراء المعسر على إنظاره، مع أن الأول فيهما سنة والثاني واجب.
فروع: يسن لمن صلح للاذان والإمامة الجمع بينهما، قال في الروضة: وفيه حديث حسن في الترمذي، وقيل: يكره، وقيل: يباح. ويسن أن يتطوع المؤذن بالاذان لخبر: من أذن سبع سنين محتسبا كتب الله له براءة من النار رواه الترمذي وغيره، وفي رواية: من أذن خمس صلوات إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وأن يكون الاذان بقرب المسجد، وأن لا يكتفي أهل المساجد المتقاربة بأذان بعضهم بل يؤذن في كل مسجد. ويكره أن يخرج من المسجد بعد الاذان قبل أن يصلي إلا بعذر. ووقت الاذان منوط بنظر المؤذن ولا يحتاج فيه إلى مراجعة الإمام، والإقامة بنظر الإمام فلا يقيم إلا بإذنه، لقوله (ص): المؤذن أملك بالاذان والإمام أملك بالإقامة رواه ابن عدي من رواية أبي هريرة، فلو أقام المؤذن بغير إذن الإمام اعتد به. (وشرطه) أي الاذان، (الوقت) لأنه للاعلام بدخوله فلا يصح، ولا يجوز قبله بالاجماع لما فيه من الالباس، لكن نص في البويطي على سقوط مشروعيته بفعل الصلاة، وهذا يدل على أن مشروعية الاذان للصلاة وهو المعتمد كما مر، لا للوقت، وعلى هذا لو نوى المسافر تأخير الصلاة، فإن قلنا بالأول لم يؤذن وإلا أذن. (إلا الصبح) أي أذانه، (فمن نصف الليل) يصح لخبر الصحيحين: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم زاد البخاري: وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال: أصبحت أصبحت كما مر، وإنما جعل وقته في النصف الثاني لأنه أقرب إلى الصبح إذ معظم الليل قذ ذهب وقرب الاذان من الوقت فهو منسوب إلى الصبح، ولهذا تقول العرب بعده:
أنعم صباحا. قال في الإقليد: فيستحب تقديمه قبل الوقت خلافا لما أطلقه الأكثرون من أنه يجوز، لأن وقته يدخل على الناس وفيهم الجنب والنائم، فاستحب تقديم أذانها لينتبهوا ويتأهبوا ليدركوا فضيلة أول الوقت. وخرج بالاذان الإقامة فلا تقدم بحال. ويشترط فيه أيضا أن لا يطول الفصل بينها وبين الصلاة كما في المجموع. قال المصنف في شرح مسلم في كلامه على أنه لم يكن بين أذانيهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا، قال العلماء: معناه أن بلالا كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ثم يرقب الفجر، فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ثم يرقى، وقيل:
يدخل وقت أذانه في الشتاء لسبع يبقى من الليل، وفي الصيف لنصف سبع، وصححه الرافعي في شرحه وضعفه المصنف في زيادة الروضة، وقال: إن قائله اعتمد حديثا باطلا محرفا. ويدخل سبع الليل الأخير بطلوع الفجر الأول، وقيل: وقته جميع الليل، وقيل: إذا خرج وقت اختيار العشاء. وضبط المتولي السحر بما بين الفجر الكاذب والصادق، وقال ابن أبي الصيف: السحر هو السدس الأخير. (ويسن مؤذنان للمسجد) ونحوه تأسيا به (ص)، ومن فوائدهما أنه (يؤذن واحد) للصبح (قبل الفجر وآخر بعده) للخبر السابق. ويزاد عليهما بقدر الحاجة والمصلحة كما صححه المصنف، خلافا للرافعي في استحباب الاقتصار على أربعة، ويترتبون إن اتسع الوقت، ويقترعون للبداءة إن تنازعوا. فإن ضاق الوقت والمسجد كبير تفرقوا في أقطاره، وإن صغر اجتمعوا إن لم يؤد اجتماعهم إلى اضطراب واختلاط، ويقفون عليه كلمة كلمة،