بالامارة، فإنه كان لا يؤذن للصبح حتى يقال له أصبحت أصبحت كما رواه البخاري. ويؤخذ من ذلك ما جرت به العادة من أن المؤذنين لا يعرفون الوقت ولكن ينصب لهم مؤقت يخبرهم بالوقت أن ذلك يكفي كما قاله بعض المتأخرين. ولو أذن جاهلا بدخول الوقت فصادفه اعتد به بناء على عدم اشتراط النية، وبهذا فارق التيمم والصلاة، ويؤخذ من ذلك أن الخطبة كالاذان بناء على ما ذكر. (ويكره) الاذان (للمحدث) حدثا أصغر لخبر: كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال: على طهارة رواه أبو داود وغيره، وقال في المجموع إنه صحيح، ولأنه يدعو إلى الصلاة فليكن بصفة من يمكنه فعلها، وإلا فهو واعظ غير متعظ. وقضيته أنه يسن له التطهر من الخبث أيضا. (و) الكراهة (للجنب أشد) منها للمحدث لأن الجنابة أغلظ. (والإقامة) من كل منهما (أغلظ) أي أشد كراهة من الاذان لقربها من الصلاة. وقضية كلامه كأصله أن كراهة إقامة المحدث أغلظ من كراهة أذان الجنب، والمتجه كما قال الأسنوي تساويهما. وتقدم أن الحيض والنفاس أغلظ من الجنابة، فتكون الكراهة معهما أغلظ من الكراهة مع الجنابة. فإن قيل: يرد على ذلك المتيمم ومن به نحو سلس بول وفاقد الطهورين فإن الصلاة مطلوبة منهم، ولا يقال إنه يكره لهم الاذان أو الإقامة. أجيب بأن المراد بالمحدث أو الجنب من لا تباح له الصلاة. ويجزئ أذان وإقامة مكشوف العورة والجنب وإن كان في مسجد لأن المراد حصول الاعلام وقد حصل، والتحريم لمعنى آخر وهو حرمة المسجد وكشف العورة. ولو حصل له حدث ولو أكبر في أثناء ذلك استحب إتمامه، ولا يستحب قطعه ليتوضأ لئلا يوهم التلاعب، فإن تطهر ولم يطل زمنه بنى والاستئناف أولى. (ويسن) للاذان مؤذن حر لأنه أكمل من غيره. (صيت) أي عالي الصوت، لقوله (ص) في خبر عبد الله بن زيد: ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا أي أبعد، ولزيادة الابلاغ. (حسن الصوت) ليرق قلب السامع ويميل إلى الإجابة، ولان الداعي ينبغي أن يكون حلو المقال. وروى الدارمي وابن خزيمة: أن النبي (ص) أمر عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الاذان. (عدل) ليقبل خبره عن الأوقات، ويؤمن نظره إلى العورات. ويكره أذان فاسق وصبي وأعمى ليس معه بصير يعرف الوقت، لأنه ربما غلط في الوقت، ولأنه يفوت على الناس فضيلة أول الوقت، ولذلك استحب كونه عالما بالمواقيت.
فروع: يكره تمطيط الاذان: أي تمديده والتغني به أي التطريب. ويسن أن يكون المؤذن من ولد مؤذني رسول الله (ص) كبلال وابن أم مكتوم وأبي محذورة وسعد القرظي، فإن لم يكن فمن أولاد مؤذني أصحابه، فإن لم يكن أحد منهم فمن أولاد الصحابة، ذكره في المجموع. ويكره الركوب فيه للمقيم لما فيه من ترك القيام المأمور به بخلاف المسافر لا يكره إذ أنه راكبا للحاجة إلى الركوب في السفر، فإن أذن ماشيا أجزأه إن لم يبعد عن مكان ابتدائه بحيث لا يسمع آخره من يسمع أوله وإلا لم يجزه، ويندب أن يتحول من مكان الاذان للإقامة ولا يقيم وهو يمشي. ويسن أن يفصل المؤذن والإمام بين الأذان والإقامة بقدر اجتماع الناس في مكان الصلاة وبقدر أداء السنة التي قبل الفريضة، ويفصل بينهما في المغرب بنحو سكتة لطيفة كقعود لطيف لضيق وقتها ولاجتماع الناس لها قبل وقتها عادة، وعلى ما صححه المصنف من أن للمغرب سنة قبلها يفصلها بقدر أدائها أيضا. (والإمامة أفضل منه) أي الاذان (في الأصح) لمواظبته (ص) وخلفائه رضي الله تعالى عنهم عليها، ولان القيام بالشئ أولى من الدعاء إليه. واختار هذا السبكي مع قوله إن السلامة في تركها، ونقل في الاحياء عن بعض السلف أنه قال: ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين لأنهم قاموا بين الله وبين خلقه: هؤلاء بالنبوة، وهؤلاء بالعلم، وهؤلاء بعماد الدين. (قلت: الأصح أنه) أي الاذان (أفضل منها والله أعلم) لقوله تعالى: * (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) * قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: هم المؤذنون، ولخبر: إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله رواه الحاكم وصحح إسناده، ولدعائه (ص) له بالمغفرة، وللإمام بالارشاد، والمغفرة أعلى من الارشاد كما قاله الرافعي. وقال الماوردي: دعا