فصلناه في البيوع، والقول الأخير أقوى.
فأما الصداق فلا يجئ فيه إلا قولان: أحدهما يقطع الخصومة بينهما، وأيهما بذل ما عليه أجبر الآخر على إقباض ما عليه، والثاني ينصب عدلا ويأمر الزوج بتسليم الصداق إليه، فإذا فعل أمرها بتسليم نفسها إليه، فإذا فعلت أعطاها العدل الصداق، وهذا الأقوى عندي.
ولا يجئ القول الثالث لأن القول الثالث يجبر الزوجة على تسليم نفسها ثم يجبر هو على تسليم الصداق، وهذا لا يجوز لأنه ربما أتلف البضع ومنع الصداق، فلهذا لم تجبر على تسليم نفسها، ويفارق البيع لأنه يمكن إجباره على تسليم السلعة والحجر عليه فيها بعد أن يقبضها، والنكاح لا يمكن ذلك فيه.
إذا امتنعت الكبيرة من تسليم نفسها وقالت: لا أمكنه حتى يدفع الصداق، فهل لها النفقة قبل دفع الصداق أم لا؟ يبني على القولين، فإذا قيل لا يجبر أحدهما على تسليم ما عليه، وأيهما تبرع أجبر الآخر عليه، فلا نفقة لها هاهنا، لأنها تمنع نفسها بغير حق، فإن الزوج لا يجب - على هذا القول - عليه تسليم الصداق، فإذا قالت: لا أسلم حتى يدفع إلى ما لا يجب عليه، فهي ناشزة لا نفقة لها.
وإذا قلنا: يجبر الزوج على تسليم الصداق إلى عدل، فإذا سلمت نفسها إلى زوجها قبضته من العدل، فعلى هذا إذا قالت: لا أسلم نفسي حتى يسلم الصداق، فإذا امتنع من ذلك فلها النفقة عليه لأنها بذلت نفسها ومكنته إن دفع الواجب لها، فإذا لم يفعل كان الامتناع من التسليم والقبض منه، فعليه نفقتها.
إذا كانت المرأة نضوا - وهي النحيفة القليلة اللحم - فطالب بها زوجها لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون النضو خلقة وجبلة، أو لعارض وعلة.
فإن كان ذلك خلقة، فمتى سلم إليها مهرها لزم تسليم نفسها إليه، لأن العادة لم تجر أن لنضو الخلق منع نفسها عن زوجها، فإذا تسلمها كان له أن يستمتع بها فيما دون الفرج، وبكل ما يستمتع الرجل بالقوية السمينة إلا الجماع في الفرج،