فأما القبض فقد اختلف قول أصحابنا هل هو شرط في لزومه أم لا؟
فقال بعضهم: بأنه شرط في لزومه من جهة الراهن دون المرتهن. وقال الأكثرون المحصلون منهم:
يلزم بالإيجاب والقبول، وهذا هو الصحيح لقوله تعالى: أوفوا بالعقود، وهذا عقد يجب الوفاء به.
وأما قوله تعالى: فرهان مقبوضة، فهذا دليل الخطاب وهو متروك عند المحصلين من أصحابنا وقد يرجع عن دليل الخطاب عند من يعمل به ويترك بدليل، فالآية الأولى دليل على ذلك.
فالأول: مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته وشيخنا المفيد في مقنعته، والثاني: مذهب شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه فإنه رجع عما ذهب إليه في نهايته.
واستدامة القبض في الرهن ليست شرطا في صحته ولزومه، ولا يجوز للراهن أن يتصرف في الرهن بما يبطل أو ينقص حق المرتهن كالبيع والهبة والرهن عند آخر والعتق، فإن تصرف كان تصرفه باطلا ولم ينفسخ الرهن لأن الأصل صحته والقول بفسخه يحتاج إلى دليل، وإنما ينفسخ الرهن إذا فعل ما يبطل به حق المرتهن منه باذنه، ويجوز له الانتفاع بما عدا ذلك من سكنى الدار وزراعة الأرض وخدمة العبد وركوب الدابة وما يحصل من صوف ولبن و نتاج إذا اتفق هو والمرتهن وتراضيا على ذلك.
وكذا يجوز للمرتهن الانتفاع بالسكنى والزراعة والخدمة والركوب والصوف واللبن إذا أذن له الراهن، لأن الحق لهما لا يخرج منهما ولا يستحقه سواهما، فإن سكن المرتهن الدار أو زرع الأرض بغير إذن الراهن أثم ولزمه أجرة الأرض والدار وكان الزرع له، لأنه عين ماله والزيادة حادثة فيه وهي غير متميزة منه.
ولا يحل للراهن ولا للمرتهن وطء الجارية المرهونة فإن وطأها الراهن بغير إذن المرتهن أثم وعليه التعزير ولأحد عليه، فإن حملت وأتت بولد كان حرا لا حقا بأبيه الراهن ولا تخرج من كونها رهنا وجاز بيعها في الدين الذي هي مرهونة عليه.
وقال بعض أصحابنا: فإن حبلت وأتت بولد فإن كان موسرا وجب عليه قيمتها يكون رهنا مكانها لحرية الولد، وإن كان معسرا بقيت رهنا بحالها وجاز بيعها في الدين، وهذا غير صحيح لأنه مخالف لأصول مذهبنا.