وفي آخر " قد علمت يرحمك الله فضل الحرمين " (1). وبالجملة أخبار التمام، لا يمكن حملها على التقية، وأخبار تعيين القصر، لنكتة دفع التشنيع، لا لموافقة أبي حنيفة. وأما ما في بعض أخبار التمام، كصحيحة معاوية بن وهب " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التقصير في الحرمين والتمام؟ قال (عليه السلام): لا يتم حتى يجمع على مقام عشرة أيام. فقلت إن أصحابنا رووا عنك إنك أمرتهم بالتمام!
فقال: إن أصحابك كانوا يدخلوا المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم فيخرجون والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد، فأمرتهم بالتمام " (2). فالجواب عنه أن ما ذكر فيها من التعليل، مختص بمورده، ولا يمكن أن يكون علة للأمر بالتمام في هذه الأخبار الكثيرة. مع تعليله بفضل الحرمين، وإنه من الأمر المذخور، وإنه زيادة الخير. إلى غير ذلك من التعبيرات المضادة للتقية. مع أن التعليل المذكور في الصحيحة، تعليل موجب للتمام معينا، لا الاتمام الذي هو عدل للقصر. كيف والاتمام إذا كان لدفع الضرر، وجب على التعيين. ولا يبعد أن يكون عذرا صوريا في جواب السائل الذي أمره بالقصر، معينا لما مر من الوجه فيه. وقد نفى (عليه السلام) كون الأمر بالاتمام لأجل الناس في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، وأن الاتمام على خلاف ما عليه الناس فتدبر.
وبالجملة أخبار التخيير وأفضلية الاتمام، أكثر عددا وأوضح دلالة، مع موافقتها للمشهور. فهي مشهورة رواية وعملا، بل لازم تقديم غيرها عليها، طرح بعضها رأسا من دون تأويل، وإن كانت أخبار التقصير أوفق بالقواعد، والله أعلم بحقائق أحكامه.
فروع أحدها: هل التخيير في هذه الأماكن، استمراري، أم لا، بمعنى أنه لو نواها