وتوهم أن التنزيل في هذه الرواية لا عموم له فلا يفيد إلا وجوب الاتمام، مدفوع بأن نفس هذه الرواية المتكفلة للتنزيل، متكفلة لحكمين: من وجوب الاتمام ومن وجوب القصر للخروج إلى عرفات بعنوان التفريع على كونه كأهل مكة، ولو لم يكن كذلك لما كانت له الدلالة على أن الخروج إلى عرفات سفر جديد موجب للقصر لاحتمال أن القصر لكونه متمما لسفره من بلده إلى مكة.
ثالثها: يعتبر في الإقامة وحدة المحل فلا أثر للإقامة في محلين بحيث يعدان كذلك عرفا، وهل هو لاقتضاء الإقامة عرفا؟ أو لأن مورد الروايات هو البلد؟ حتى قوله (عليه السلام): " إذا دخلت أرضا " (1) فإن المراد موضوع مخصوص منها وإلا فلا معنى لقوله فيما بعد: " وإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج أو بعد غد " فإن ظاهره الخروج من محل خاص منها، لا الخروج من الأرض مع أن مورد السؤال " أرأيت من قدم بلدة؟ ". وبالجملة لا شبهة في أن مورد الأخبار هي الإقامة في محل خاص. وأما بالنظر إلى اقتضاء الإقامة فهي منسوبة بالذات إلى الدار التي هي مسكنه ومقره، وبالعرض إلى المحلة وإلى البلد وإلى القطر العراقي وإلى جزيرة العرب وإلى آسيا وهكذا. إلا أن الإقامة هنا كالإقامة في الوطن لا يراد منها إلا الإقامة في البلد إذ لا فرق بين جعل البلد مقرا دائميا لنفسه أو مقرا في ستة أشهر أو عشرة أيام. فلا خصوصية في نظر العرف للدار والمحلة في باب جعل محل محط رحله وموضع قراره واستقراره. وأما الأمر في البلدان الكبار جدا فمشكل إذا لم يكن محلاته منفصلة كالقرى المتقاربة والاحتياط في مثله لا يترك، لعدم إمكان الجزم بأحد الطرفين.
رابعها: إن كفاية التلفيق وكفاية عشرة أيام بلياليها والمتوسطة دون الأولى والأخيرة لا منشأ لهما إلا الصدق العرفي، وإلا فما أفاده في المدارك: " من أن نصفي اليومين لا يسمى يوما " (2) صحيح، ولقد أجاد الشيخ الأجل (قدس سره) في رده