نية الإقامة متقدمة على الأهلية طبعا لكونها علة لها، وهي متأخرة عن الأهلية لكونها مقومة للإقامة المنوية، والأهلية متقدمة عليها تقدم الشرط على مشروطه، ولا يعقل تعدد نية الإقامة لتكون إحداهما متقدمة على الأهلية والأخرى متأخرة عنها، إذ لا يعقل انبعاث الفعل عن قصدين، فتدبر فإنه حقيق به.
وثانيا: إن دليل التنزيل لا يعقل أن يعم انقطاع السفر، وانقطاع كثرة السفر، لأن المراد بالمقيم بمكة بمنزلة أهلها إما ناوي الإقامة وإما المقيم عن نية ولا ثالث، لأن الإقامة المجردة لا يقطع أصل السفر حتى يكون بمنزلة أهل البلد، فإن أريد منه ناوي الإقامة فهذا الموضوع لا أثر له إلا انقطاع السفر، كما أن مورده كذلك لسوقه في مقام أن الخروج إلى عرفات سفر جديد وانقطاع السفر، ولا يتوهم كفاية ذلك في المقام لأن الناوي إذا صار بمنزلة الأهل يترتب عليه حكم من أقام في بلده عشرة أيام، وذلك لأن ذلك الدليل متكفل للإقامة في البلد الحقيقي. وأما أن الإقامة في البلد التنزيلي أيضا كذلك فهو موقوف على ترتيب هذا الأثر بنفس دليل التنزيل، والمفروض أن موضوعه ناوي الإقامة ولا أثر له إلا انقطاع السفر. وإن أريد منه المقيم خارجا عن نية فهو موضوع لانقطاع كثرة السفر لا لأصل السفر لعدم دخل الإقامة في انقطاع أصل السفر ولا جامع بين الموضوعين حتى يجمع بين الحكمين.
والتحقيق أن الخدشة في عموم التنزيل من حيث كون سوق الرواية لانقطاع أصل السفر صحيحة، إلا أن دعوى عدم المعقولية مدفوعة بأن ناوي الإقامة بما هو وإن كان لا يترتب عليه إلا انقطاع سفره، لكنه له أحكام تعليقية مترتبة على موضوعاتها كنفس أهل البلد، ومنها إن ناوي الإقامة إذا أقام ينقطع كثرة سفره.
ثالثها: لا شبهة في عدم اعتبار النية في الإقامة في البلد، بل ادعي عليه الاجماع من غير واحد، وأما الإقامة في غير البلد فهي محل الكلام بين الأعلام من حيث اعتبار النية فيها وعدمه، وما يمكن الاستناد إليه لكفاية الإقامة المجردة عن النية، إطلاق المرسلة (1) خصوصا مع تقابل الإقامة في غير البلد مع الإقامة في البلد مع