أقول: ذهبت الملاحدة إلى أن النظر غير كاف في حصول المعارف بل لا بد من معونة من المعلم للعقل لتعذر العلم بأظهر الأشياء وأقربها من دون مرشد، وأطبق العقلاء على خلافه لأنا متى حصلت المقدمتان لنا على الترتيب المخصوص حصل لنا الجزم بالنتيجة سواء كان هناك معلم أو لا، وصعوبة تحصيل المعرفة بأظهر الأشياء لا يدل على امتناعها مطلقا من دون المعلم، وقد ألزمهم المعتزلة الدور والتسلسل لتوقف العلم بصدقه على العلم بتصديق الله تعالى إياه بواسطة المعجزة، فلو توقفت المعرفة بالله تعالى عليه دار، ولأن احتياج كل عارف إلى معلم يستلزم حاجة المعلم إلى آخر ويتسلسل. وهذان الإلزامان ضعيفان، لأن الدور لازم على تقدير استقلال المعلم بتحصيل المعارف وليس كذلك بل هو مرشد إلى استنباط الأحكام من الأدلة التي من جملتها ما يدل على صدقه من المقدمات والتسلسل يلزم لو وجب مساواة عقل المعلم لعقولنا، أما على تقدير الزيادة فلا.
قال: نعم لا بد من الجزء الصوري.
أقول: يشير بذلك إلى ترتيب المقدمات فإنه لا بد مع حصول المقدمتين في الذهن من ترتيب حاصل بينهما ليحصل العلم بالنتيجة وهو الجزء الصوري للنظر، إذ لولا الترتيب لحصلت العلوم الكسبية لجيمع العقلاء ولم يقع خلل لأحد في اعتقاده. وقيل: لا حاجة إليه وإلا لزم التسلسل أو اشتراط الشئ بنفسه وهو سهو، فإن التسلسل يلزم لو قلنا بافتقار كل زائد إلى ترتيب وليس كذلك بل المفتقر إلى الترتيب إنما هو الأجزاء المادية خاصة.
قال: وشرطه عدم الغاية وضدها وحضورها.
أقول: الذي فهمناه من هذا الكلام أن شرط النظر عدم العلم بالمطلوب الذي هو غاية النظر وإلا لزم تحصيل الحاصل، ويشترط أيضا عدم ضدها أعني الجهل المركب لأنه باعتقاده حصول العلم له لا يطلبه فلا يتحقق النظر في طرفه،