أقول: اختلف الناس هنا، فقال قوم: إن هذا الحكم ضروري، أعني أن احتياج الممكن لا يحتاج إلى برهان فإن كل من تصور تساوي طرفي الممكن جزم بالضرورة أن أحدهما لا يترجح من حيث هو متساو أعني من حيث ذاته، بل من حيث إن المرجح ثابت، وهذا الحكم قطعي لا يقع فيه شك.
وقال آخرون: إنه استدلالي، وهو خطأ وسبب غلطهم أنهم لم يتصوروا الممكن على ما هو عليه.
المسألة الحادية والثلاثون في وجوب الممكن المستفاد من الفاعل قال: ولا تتصور الأولوية (1) لأحد الطرفين بالنظر إلى ذاته.
أقول: قد بينا أن الممكن من حيث هو هو لا باعتبار وجود علته أو عدمها، فإن وجوده وعدمه متساويان بالنسبة إليه، وإنما يحصل الترجيح من الفاعل الخارجي، فإذا لا يمكن أن تتصور أولوية لأحد الطرفين على الآخر بالنظر إلى ذاته.
قال: ولا تكفي الخارجية لأن فرضها لا يحيل المقابل فلا بد من الانتهاء إلى الوجوب.
أقول: أولوية أحد الطرفين بالنظر إلى وجود العلة أو عدمها هي الأولوية الخارجية، فإن كانت العلة مستجمعة لجميع الشرائط منتفيا عنها جميع الموانع كانت الأولوية وجوبا وإلا كانت أولوية يجوز معها وقوع الطرف الآخر، وهذه الأولوية