العلم عما من شأنه أن يكون عالما، وبهذا المعنى يقابل العلم والاعتقاد مقابلة العدم والملكة. والمركب هو اعتقاد الشئ على خلاف ما هو عليه وهو قسم للاعتقاد إذ الاعتقاد جنس للجهل وغيره، ويسمى الأول بسيطا نظرا إلى عدم تركبه والثاني مركبا لتركبه من اعتقاد وعدم مطابقة.
قال: والظن ترجيح أحد الطرفين وهو غير اعتقاد الرجحان.
أقول: الظن ترجيح أحد الطرفين - أعني طرف الوجود وطرف العدم - ترجيحا غير مانع من النقيض، ولا بد من هذا القيد ليخرج الاعتقاد الجازم.
واعلم أن رجحان الاعتقاد مغاير لاعتقاد الرجحان، لأن الأول ظن لا غير والثاني قد يكون علما.
قال: ويقبل الشدة والضعف وطرفاه علم وجهل.
أقول: لما كان الظن عبارة عن ترجيح الاعتقاد من غير منع النقيض وكان للترجيح مراتب داخلة بين طرفي شدة في الغاية وضعف في الغاية كان قابلا للشدة والضعف، وطرفاه العلم الذي لا مرتبة بعده للرجحان والجهل البسيط الذي لا ترجيح معه البتة أعني الشك المحض.
المسألة الثانية والعشرون في النظر وأحكامه قال: وكسبي العلم يحصل بالنظر مع سلامة جزئيه ضرورة.
أقول: قد بينا أن العلم ضربان: ضروري لا يفتقر إلى طلب وكسب، ونظري يفتقر إليه. فالثاني هو المكتسب بالنظر وهو ترتيب أمور ذهنية للتوصل إلى أمر مجهول، فالترتيب جنس بعيد لأنه كما يقع في الأمور الذهنية كذلك يقع في الأشياء الخارجية، فالتقييد بالأمور الذهنية يخرج الأخير عنه.
ثم الترتيب الخاص قد يراد لاستحصال ما ليس بحاصل، وقد لا يكون كذلك.