كان الكذب قبيحا لكان الكذب المقتضي لتخليص النبي من يد ظالم قبيحا، والتالي باطل لأنه يحسن تخليص النبي فالمقدم مثله. الثانية: قالوا: لو قال الانسان: لأكذبن غدا، فإن حسن منه الصدق بإيفاء الوعد لزم حسن الكذب، وإن قبح كان الصدق قبيحا فيحسن الكذب.
والجواب فيهما واحد، وذلك لأن تخليص النبي أرجح من الصدق فيكون تركه أقبح من الكذب، فيجب ارتكاب أدنى القبيحين وهو الكذب لاشتماله على المصلحة العظيمة الراجحة على الصدق. وأيضا يجب عليه ترك الكذب في غد لأنه إذا كذب في الغد فعل شيئا فيه جهتا قبح وهو العزم على الكذب وفعله، ووجها واحدا من وجوه الحسن وهو الصدق وإذا ترك الكذب يكون قد ترك تتمة العزم والكذب وهما وجها حسن، وفعل وجها واحدا من وجوه القبح وهو الكذب. وأيضا قد يمكن التخلص عن الكذب في الصورة الأولى بأن يفعل التورية أو يأتي بصورة الإخبار الكذب من غير قصد إليه، ولأن جهة الحسن هي التخلص (1) وهي غير منفكة عنه وجهة القبح هي الكذب وهي غير منفكة عنه فما هو حسن لم ينقلب قبيحا وكذا ما هو قبيح لم ينقلب حسنا.
قال: والجبر باطل.
أقول: هذا جواب عن شبهة أخرى لهم وهي أنهم قالوا: الجبر حق فينتفي الحسن والقبح العقليان والملازمة ظاهرة وبيان صدق المقدم ما يأتي والجواب الطعن في الصغرى وسيأتي البحث فيها.
المسألة الثانية في أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب قال: واستغناؤه وعلمه يدلان على انتفاء القبح عن أفعاله تعالى.