الطرفين وبعدها عن الآخر، وفائدة النبي تكميل الناقص من أشخاص النوع بحسب استعداداتهم المختلفة في الزيادة والنقصان.
ومنها: أن النوع الإنساني محتاج إلى آلات وأشياء نافعة في بقائه كالثياب والمساكن وغيرها وذلك مما يحتاج في تحصيله إلى معرفة عمله والقوة البشرية عاجزة عنه، ففائدة النبي في ذلك تعليم هذه الصنائع النافعة الخفية.
ومنها: أن مراتب الأخلاق وتفاوتها معلوم يفتقر فيه إلى مكمل بتعليم الأخلاق والسياسات بحيث تنتظم أمور الانسان بحسب بلده ومنزله.
ومنها: أن الأنبياء يعرفون الثواب والعقاب على الطاعة وتركها فيحصل للمكلف اللطف ببعثتهم فتجب بعثتهم لهذه الفوائد.
قال: وشبهة البراهمة باطلة بما تقدم.
أقول: احتجت البراهمة على انتفاء البعثة بأن الرسول إما أن يأتي بما يوافق العقول أو بما يخالفها، فإن جاء بما يوافق العقول لم يكن إليه حاجة ولا فائدة فيه، وإن جاء بما يخالف العقول وجب رد قوله. وهذه الشبهة باطلة بما تقدم في أول الفوائد وذلك أن نقول: لم لا يجوز أن يأتوا بما يوافق العقول وتكون الفائدة فيه التأكيد لدليل العقل؟ أو نقول: لم لا يجوز أن يأتوا بما لا تقتضيه العقول ولا تهتدي إليه وإن لم يكن مخالفا للعقول؟ بمعنى أنهم لا يأتون بما يقتضي العقل نقيضه مثل كثير من الشرائع والعبادات التي لا يهتدي العقل إلى تفصيلها.
المسألة الثانية في وجوب البعثة قال: وهي واجبة لاشتمالها على اللطف في التكاليف العقلية.
أقول: اختلف الناس هنا، فقالت المعتزلة: إن البعثة واجبة. وقالت الأشعرية:
إنها غير واجبة. احتجت المعتزلة بأن التكاليف السمعية ألطاف في التكاليف العقلية