ذلك - أي قبول الانقسام - لا يقتضي ثبوت مادة كما قررناه في كلام أبي علي، لأن الجسم المتصل له مادة واحدة (1) فإذا قسمناه استحال أن تبقى المادة على وحدتها اتفاقا بل يحصل لكل جزء مادة، فإن كانت مادة كل جزء حادثة بعد القسمة لزمه التسلسل لأن كل حادث عندهم لا بد له من مادة، وإن كانت موجودة قبل القسمة لزم وجود مواد لا نهاية لها بحسب ما في الجسم من قبول الانقسامات التي لا تتناهى.
المسألة الثامنة في إثبات المكان لكل جسم قال: ولكل جسم مكان طبيعي يطلبه عند الخروج على أقرب الطرق.
أقول: كل جسم على الإطلاق فإنه يفتقر إلى مكان يحل فيه لاستحالة وجود جسم مجرد عن كل الأمكنة، ولا بد وأن يكون ذلك المكان طبيعيا له لأنا إذا جردنا الجسم عن كل العوارض فإما أن لا يحل في شئ من الأمكنة وهو محال، أو يحل في الجميع وهو أيضا باطل بالضرورة، أو يحل في البعض فيكون ذلك البعض طبيعيا، ولهذا إذا أخرج عن مكانه عاد إليه وإنما يرجع إليه على أقرب الطرق وهو الاستقامة.
قال: فلو تعدد انتفى.
أقول: يريد أن يبين أن المكان الطبيعي واحد، لأنه لو كان لجسم واحد مكانان طبيعيان لكان إذا حصل في أحدهما كان تاركا للثاني بالطبع وكذا بالعكس فلا يكون واحد منهما طبيعيا له، فلهذا قال: فلو تعدد - يعني الطبيعي - انتفى ولم يكن له مكان طبيعي.