يتصور وجود الحادث فلا يطلبها، ثم الحدوث كيفية الوجود فليس علة لما يتقدم عليه بمراتب.
أقول: اختلف الناس هنا في علة احتياج الأثر إلى مؤثره، فقال جمهور العقلاء: إنها الإمكان لا غير، وقال آخرون: إنها الحدوث لا غير، وقال آخرون:
هما معا. والحق الأول لوجهين:
الأول: العقل إذا لحظ الماهية الممكنة وأراد حمل الوجود أو العدم عليها افتقر في ذلك إلى العلة وإن لم ينظر شيئا آخر سوى الإمكان والتساوي، إذ حكم العقل بالتساوي الذاتي كاف في الحكم بامتناع الرجحان الذاتي فاحتاج إلى العلة من حيث هو ممكن وإن لم يلحظ غيره، ولو فرضنا حادثا وجب وجوده وإن كان فرضا محالا فإن العقل يحكم بعدم احتياجه إلى المؤثر، فعلم أن علة الحاجة أنما هي الإمكان لا غير.
الثاني: أن الحدوث كيفية للوجود فيتأخر عنه تأخرا ذاتيا والوجود متأخر عن الايجاد والايجاد متأخر عن الاحتياج والاحتياج متأخر عن علة الاحتياج، فلو كان الحدوث علة الحاجة لزم تقدم الشئ على نفسه بمراتب وهو محال.
المسألة الثلاثون في أن الممكن محتاج إلى المؤثر قال: والحكم باحتياج الممكن ضروري.