أقول: إعلم أن الشئ إذا كان ذا سبب فإنه أنما يعلم بسببه لأنه بدون السبب ممكن وإنما يجب بسببه، فإذا نظر إليه من حيث هو هو لم يحكم العقل بوقوعه ولا بعدمه وإنما يحكم بأحدهما إذا عقل وجود السبب أو عدمه، فذو السبب إنما يحكم بوجوده أو عدمه بالنظر إلى سببه. إذا ثبت هذا فإن ذا السبب أنما يعلم كليا لأن كونه صادرا عن الشئ تقييد له بأمر كلي أيضا، وتقييد الكلي بالكلي لا يقتضي الجزئية.
وتحقيق هذا أنك إذا عقلت كسوفا شخصيا من جهة سببه وصفاته الكلية التي يكون كل واحد منها نوعا مجموعا في شخصه كان العلم به كليا، والكسوف وإن كان شخصيا فإنه عند ذلك يصير كليا ويكون نوعا مجموعا في شخص، والنوع المجموع في شخص، له معقول كلي لا يتغير وما يستند إليه من صفاته وأحواله يكون مدركا بالعقل فلا يتغير فإنه كلما حصلت علل الشخصي وأسبابه وجب حصول ذلك الجزئي، فيقال: إن هذا الشخصي أسبابه كذا، وكلما حصلت هذه الأسباب كان هذا الشخصي أو مثله فيكون كليا بعلله.
المسألة العشرون في تفسير العقل قال: والعقل غريزة يلزمها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات.
أقول: هذا هو المحقق في تفسير العقل، وقد فسره قوم بأنه العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات لامتناع انفكاك أحدهما عن الآخر، وهو ضعيف لعدم الملازمة بين التلازم والاتحاد.
قال: ويطلق على غيره بالاشتراك.
أقول: لفظة العقل مشتركة بين قوى النفس الانسانية وبين الموجود المجرد في ذاته وفعله معا، ويندرج تحته عند الأوائل عقول عشرة سبق البحث فيها.