فإذا قلنا: الجسم أسود، فقد حكمنا على الجسم بأنه موصوف بالسواد والموصوفية أمر اعتباري ذهني لا خارجي حقيقي، لأن الموصوفية لو كانت وجودية لزم التسلسل، وبيان الملازمة أنها لو كانت خارجية لكانت عرضا قائما بالمحل، فاتصاف محلها بها يستدعي موصوفية أخرى فننقل الكلام إليها ويتسلسل.
المسألة التاسعة والثلاثون في انقسام الوجود إلى ما بالذات والى ما بالعرض قال: ثم الوجود قد يكون بالذات وقد يكون بالعرض.
أقول: الموجود إما أن يكون له حصول مستقل في الأعيان أو لا يكون، والأول هو الموجود بالذات سواء كان جوهرا أو عرضا، فإن العرض وإن كان لا يوجد إلا بمحله لكنه موجود حقيقة، فإن وجود العرض ليس هو بعينه وجود المحل، إذ قد يوجد المحل بدون العرض ثم يوجد ذلك العرض فيه كالجسم إذا حل فيه السواد بعد أن لم يكن. والثاني هو الموجود بالعرض كأعدام الملكات والأمور الاعتبارية الذهنية التي لا تحقق لها في الأعيان، ويقال إنها موجودة في الأعيان بالعرض.
قال: وأما الوجود في الكتابة (1) والعبارة فمجازي.
أقول: للشئ وجود في الأعيان ووجود في الأذهان وقد سبق البحث فيهما، ووجود في العبارة ووجود في الكتابة، والذهن يدل على ما في العين والعبارة تدل على الأمر الذهني والكتابة تدل على العبارة، لكن الوجودان (2) الأولان حقيقيان والباقيان مجازيان، إذ لا يحكم العقل بأن الشئ موجود في اللفظ والكتابة، لكن لما دل عليه حكم على سبيل المجاز أنه موجود فيهما.