التحقيق أنه من الكيفيات المختصة بالكميات وهو هيئة إحاطة الحد الواحد أو الحدود بالجسم وهو طبيعي وقسري، لأن كل جسم متناه على ما يأتي وكل متناه مشكل بالضرورة، فإذا فرض خاليا عن جميع العوارض لم يكن له بد من شكل فيكون طبيعيا، ولما كانت الطبيعة واحدة لم تقتض أمورا مختلفة ولا شكل أبسط من الاستدارة فيكون الشكل الطبيعي هو المستدير وباقي الأشكال قسري.
المسألة التاسعة في تحقيق ماهية المكان قال: والمعقول من الأول البعد فإن الأمارات تساعد عليه.
أقول: الأول يعني به المكان لأنه قد تبين أن الجسم يقتضي بطبعه شيئين:
المكان والشكل، ولما كان الشكل ظاهرا وكان طبيعيا ذكره بعقب المكان ثم عاد إلى تحقيق ماهية المكان وقد اختلف الناس فيه، والذي عليه المحققون أمران:
أحدهما: البعد المساوي لبعد المتمكن وهذا مذهب أفلاطون.
والثاني: السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي وهو مذهب أرسطو وأبي علي بن سينا.
وقد اختار المصنف الأول وهو اختيار أبي البركات ومذهب المتكلمين قريب منه، والدليل على ما اختاره المصنف أن المعقول من المكان أنما هو البعد فإنا إذا فرضنا الكوز خاليا من الماء تصورنا الأبعاد التي يحيط بها جرم الكوز بحيث إذا ملئ ماء شغلها الماء بجملتها، والأمارات المشهورة في المكان من قولهم إنه ما يتمكن المتمكن فيه ويستقر عليه ويساويه وما يوصف بالخلو والامتلاء يساعد على أن المكان هو البعد.
قال: واعلم أن البعد منه ملاق للمادة وهو الحال في الجسم ويمانع مساويه، ومنه مفارق تحل فيه الأجسام ويلاقيها بجملتها ويداخلها بحيث ينطبق على بعد