فالثاني ليس بنظر وهذا الحد قد اشتمل على العلل الأربع للنظر أعني المادة والصورة والغاية وفيه إشارة إلى الفاعل، وهذه الأمور قد تكون تصورات هي إما حدود أو رسوم يستفاد منها علم بمفرد، وقد تكون تصديقات يكتسب بها تصديق.
واعلم أن النظر لما كان مركبا اشتمل بالضرورة على جزء مادي وجزء صوري، فالمادي هو المقدمات والصوري هو الترتيب بينها، فإذا سلم هذان الجزءان بأن كان الحمل والوضع والربط والجهة على ما ينبغي وكان الترتيب على ما ينبغي حصل العلم بالمطلوب بالضرورة هذا في التصديقات، وكذا في التصورات فإنه إذا كان الحد مشتملا على جنس قريب وفصل أخير وقدم الجنس على الفصل حصل تصور المحدود قطعا، وإليه أشار المصنف بقوله: مع سلامة جزئيه يعني الجزء المادي والجزء الصوري.
واعلم أن الناس اختلفوا هنا، فقال من لا مزيد تحصيل له: إن النظر لا يفيد العلم لأن العلم بإفادته للعلم إن كان ضروريا لزم اشتراك العقلاء فيه، وإن كان نظريا تسلسل، ولأن النظر لو استلزم العلم لم يختلف الناس في آرائهم لاشتراكهم في العلوم الضرورية التي هي مبادئ النظرية. وذهب المحققون إلى أنه يفيد العلم بالضرورة فإنا متى اعتقدنا أن العالم ممكن وأن كل ممكن محدث حصل لنا العلم بالضرورة بأن العالم محدث فخرج الجواب عن الشبهة الأولى بقوله:
ضرورة، ولا يجب اشتراك العقلاء في الضروريات فإن كثيرا من الضروريات يتشكك فيها بعض الناس إما لخفاء في التصور أو لغير ذلك، وخرج الجواب عن الشبهة الثانية بقوله: مع سلامة جزئيه، وذلك لأن اختلاف الناس في الاعتقاد أنما كان بسبب تركهم الترتيب الصحيح وغفلتهم عن شرائط الحمل وغير ذلك من أسباب الغلط، أما في الجزء المادي أو الصوري فإذا سلما حصل المطلوب لكل من حصل له سلامة الجزئين.
قال: ومع فساد أحدهما قد يحصل ضده.