أقول: النظر إذا فسد إما من جهة المادة أو من جهة الصورة لم يحصل العلم، وقد يحصل ضده أعني الجهل وقد لا يحصل، والضابط في ذلك أن نقول: إن كان الفساد من جهة الصورة لم تلزم النتيجة الباطلة وإن كان من جهة المادة لا غير كان القياس منتجا، فإن كانت الصغرى في الشكل الأول صادقة والكبرى كاذبة في كل واحد (1) كانت النتيجة كاذبة قطعا وإلا جاز أن تكون صادقة وأن تكون كاذبة.
وبهذا التحقيق ظهر بطلان ما يقال من أن النظر الفاسد لا يستلزم الجهل وإلا لكان المحق إذا نظر في شبهة المبطل أفاده الجهل وليس كذلك مع أنه معارض بالنظر الصحيح، فإن شرط اعتقاد حقية المقدمات في الصحيح شرطناه نحن في الفاسد أيضا.
قال: وحصول العلم عن الصحيح واجب.
أقول: اختلف الناس هنا، فالمعتزلة على أن النظر مولد للعلم وسبب له، والأشاعرة قالوا: إن الله تعالى أجرى عادته بخلق العلم عقيب النظر وليس النظر موجبا ولا سببا للعلم، واستدلوا على ذلك بأن العلم الحادث أمر ممكن والله تعالى قادر على كل الممكنات فاعل لها على ما يأتي في خلق الأعمال، فيكون العلم من فعله، والمعتزلة لما أبطلوا القول باستناد الأفعال الحيوانية إلى الله تعالى بطل عندهم هذا الاستدلال، ولما رأوا العلم يحصل عقيب النظر وبحسبه وينتفي عند انتفائه حكموا عليه بأنه سبب له كما في سائر الأسباب. والحق أن النظر الصحيح يجب عنده حصول العلم ولا يمكن تخلفه عنه، فإنا نعلم قطعا أنه متى حصل لنا اعتقاد المقدمتين فإنه يجب حصول النتيجة، قالت الأشاعرة: التذكر لا يولد العلم فكذا النظر بالقياس عليه والجواب الفرق بينهما ظاهر.
قال: ولا حاجة إلى المعلم.