(واعلم) أن كل واحد من الرخص والغلاء قد يكون من قبله تعالى، بأن يقلل جنس المتاع المعين ويكثر رغبة الناس إليه فيحصل الغلاء لمصلحة المكلفين، وقد يكثر جنس ذلك المتاع ويقلل رغبة الناس إليه تفضلا منه تعالى وإنعاما أو لمصلحة دينية فيحصل الرخص، وقد يحصلان من قبلنا بأن يحمل السلطان الناس على بيع تلك السلعة بسعر غال ظلما منه أو لاحتكار الناس أو لمنع الطريق خوف الظلمة أو لغير ذلك من الأسباب المستندة إلينا فيحصل الغلاء، وقد يحمل السلطان الناس على بيع السلعة برخص ظلما منه أو يحملهم على بيع ما في أيديهم من جنس ذلك المتاع فيحصل الرخص.
المسألة الثامنة عشرة في الأصلح قال: والأصلح قد يجب لوجود الداعي وانتفاء الصارف.
أقول: اختلف الناس هنا، فقال الشيخان أبو علي وأبو هاشم وأصحابهما: إن الأصلح ليس بواجب على الله تعالى. وقال البلخي: إنه واجب، وهو مذهب البغداديين وجماعة من البصريين. وقال أبو الحسين البصري: إنه يجب في حال دون حال، وهو اختيار المصنف رحمه الله. وتحرير صورة النزاع أن الله تعالى إذا علم لم انتفاع زيد بإيجاد قدر من المال له وانتفاء الضرر به في الدين عنه وعن غيره من المكلفين هل يجب إيجاد ذلك القدر له أم لا؟ احتج الموجبون بأن لله تعالى داعيا إلى إيجاده وليس له صارف عنه، فيجب ثبوته لأن مع ثبوت القدرة ووجود الداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل. وبيان تحقق الداعي أنه إحسان خال عن جهات المفسدة، وبيان انتفاء الصارف أن المفاسد منتفية ولا مشقة فيه.
واحتج النفاة بأن وجوبه يؤدي إلى المحال فيكون محالا، بيان الملازمة أنا لو فرضنا انتفاء المفسدة في الزائد على ذلك القدر وثبوت المصلحة فإن وجب